منذ فترة ليست بعيدة دعونا على صفحات مجلة المنال وكانت ورقية وقتها أولياء وأهالي الأشخاص المعاقين إلى تأسيس جمعية يدعموا من خلالها بعضهم بعضاً ويطالبوا بحقوقهم وحقوق أبنائهم ويخططوا من أجل حياة أفضل ومجتمع أكثر تماسكاً.
في ذلك الوقت لم يكن لأهالي المعاقين صوت يسمع أو رأي يؤخذ به وكان صوت معاناتهم ينحصر في قاعات اجتماعات المؤسسات التي يلتحق بها أبناؤهم وكانت أكثر تجمعاتهم عبارة عن حوار من طرف واحد يكون فيه ولي الأمر هو المتلقي حيث يصب عليه الاختصاصيون نصائحهم ويملون عليه ما يصلح وما لا يصلح لأبنائه ويوجهونه حيث يعتقدون الأفضل له بينما يجلس هو مستمعاً. وفي أفضل الحالات يجد ولي الأمر أذناً تصغي لينفس عن تراكمات آلمته وحالت دون ممارسته لحياته بشكل طبيعي، فيخرج وقد أزاح «مؤقتاً» هماً عن صدره.
ولكن، تبقى الأمور على ما هي عليه.
كانت هذه حال بعض أهالي الأشخاص المعاقين في أغلب الدول العربية إن لم يكن كلها. ولن نتحدث عن أولئك ممن لم يجدوا حتى المدارس أو المراكز التي تستقبل أبناءهم فكانوا يعانون في صمت داخل بيوتهم وقلما كانوا يجدون دعماً من أسرهم الممتدة أو أصدقائهم ولا ننكر أن مثل هذا الوضع لا يزال مستمراً إلى يومنا هذا بالنسبة إلى الكثير منهم. ولكن، بعد تأسيس جمعيات لأولياء وأهالي الأشخاص المعاقين وبعد تشكيل مجالس للأمهات وأخرى للآباء في كثير من المؤسسات والمدارس التي تقدم الخدمة لأبنائهم، نرى نتيجة تمكين الأهالي من خلال هذه الجمعيات والمجالس واضحة جلية، ونجدهم اليوم متواجدين فاعلين مؤثرين في مختلف الملتقيات العلمية والاجتماعية مؤثرين في القرارات التي تخصهم وتخص أبناءهم.
ونذكر في هذا المجال العديد من اللقاءات التي يشاركون فيها ويستعرضون فيها تجارب شخصية على مستوى عال من المهنية مفعمة بعطاء إنساني نابع من معاناة واقعية تدفعها قوة داخلية لدى هؤلاء الأهالي الذين لابد يتمتعون بصفات تفوق العادية ويحظون بأنواع من الدعم ممن حولهم متمثلاً في منحهم الحب والثقة والعون بمختلف أشكاله.
إن مثل هؤلاء الأهالي ثروة لا يجب التفريط فيها بل يجب تنميتها واستثمارها للفوز بحقوق طالما طالبنا بها وجرينا خلفها وطالت بنا الطرق وصعبت ولم نصل إليها بعد. ففي الكثير من الدول التي سبقتنا لم تتحقق المكاسب لقضايا الأشخاص المعاقين إلا من خلال تنظيمات نشطة لأصحاب القضية من أشخاص معاقين وأهالٍ خبروا الحياة وتشربوا من المعاناة حتى دفعتهم حرقتهم إلى دفع مجتمعاتهم نحو التغيير إلى الأفضل فيما يخص حقوق الأشخاص المعاقين والمحافظة على كرامتهم.
أتطلع إلى يوم أرى فيه مثل هذا الأثر للأهالي وللأشخاص المعاقين أنفسهم في بلداننا لنقفز قفزاً نحو آفاق جديدة من العمل المجتمعي الإنساني وننسى مرحلة البحث عن الحقوق التي نعيشها اليوم وننحصر داخل إطارها فيفوتنا ركب التطور والحضارة!
فلنحدد الهدف ونولي أنظارنا إليه ونحن سائرون حتى لا نحيد عنه ولنجعل الأهالي في مقدمة الركب، فالقوة التي يملكون جديرة بأن تقود خطواتنا بثقة وجرأة إلى حيث نريد!