احتفالان عزيزان خص بهما العالم أحبتنا وإخوتنا المكفوفين وضعاف البصر في شهر أكتوبر من كل عام، لا نعتقد أنهما لمجرد الاحتفال والتذكير بقدر الحاجة إلى استعراض النتائج والانجازات ورصد الايجابيات والسلبيات وشحذ الهمم من أجل واقع ومستقبل أفضل للأخوة المكفوفين وضعاف البصر يستطيعون معه ممارسة حياتهم الطبيعية بلا عوائق ولا منغصات وبما يتفق مع روح وجوهر التشريعات والقوانين المحلية والدولية التي لم يعد ينقصها إلا التطبيق الفعلي.
الأقدم بين هاذين الاحتفالين يوم العصا البيضاء الذي يصادف الخامس عشر من أكتوبر من كل عام عندما أوصى المجلس العالمي لرعاية المكفوفين الذي عقد في فبراير 1980 في باريس بتخصيص يوم للمكفوفين هو يوم العصا البيضاء التي أصبحت بعد أربعة عقود من الزمن رمزاً لاستقلالية الكفيف وحريته في التنقل وحقه في التعلم والعمل والمشاركة في صناعة المستقبل..
أما الاحتفال الثاني وهو الأحدث فهو يوم البصر العالمي الذي أعلنته الوكالة الدولية للوقاية من العمى المنبثقة عن منظمة الصحة العالمية في الخميس الثاني من شهر أكتوبر من كل عام، كجزء من مبادرة (الرؤية 2020) الحق في الإبصار ( للوقاية من العمى الذي يمكن تفاديه بحلول عام 2020)، وقد جرى الاحتفال بهذا اليوم في 13 أكتوبر 2016 تحت شعار معاً أقوى (Stronger Together).
ولكن، ورغم كل هذه الاحتفالات الدولية التي تعم العالم وتشمله إلا أن عقبات وصعوبات تحول دون مباشرة بعض الحقوق التي كافح الأخوة المكفوفون والأشخاص ذوو الإعاقة لنيلها ما زالت تظهر هنا وهناك.. ومن هذه الأمثلة أن شركة طيران محلية لم تسمح لأحد الأشخاص المكفوفين وهو رجل أعمال وفني كمبيوتر بالسفر على متن إحدى طائراتها بحجة أنه كفيف وليس معه مرافق!! كذلك منعت شركة طيران أوروبية إثنين من الأشخاص ذوي الإعاقة يستخدمان كرسيين متحركين من السفر على متن إحدى طائراتها بحجة أنهما لا يستطيعان التحرك بمفردهما!! وطلبت الشركة وجود مرافق لأحد الراكبين رغم أنه أكد عدم حاجته للمساعدة من أحد، ورفضت كذلك رغبة الشخص ذي الإعاقة الآخر في الاستعانة بأحد ركاب الطائرة ليكون مرافقاً له أثناء الرحلة،. وغيرها الكثير من الأمثلة المشابهة التي تحرم الأشخاص ذوي الإعاقة من حقهم في الإستقلالية والإعتماد على أنفسهم.
ولكم أن تتخيلوا الأذى النفسي الذي لحق بهؤلاء وغيرهم جراء التمييز الذي مورس ضدهم وإشعارهم بالدونية وعدم الأهلية والعجز عن مباشرة أمورهم بأنفسهم، فضلاً عن الضرر المادي الذي نجم عن تعطيل مصالحهم وتأخرهم عن اللحاق بأعمالهم بسبب تأجيل سفرهم.
هنا تكمن الهوة وتتسع الشقة.. الكل يعمل ويسعى لاكساب الأشخاص ذوي الإعاقة القدر الأكبر من الاستقلالية والاعتماد على الذات والقدرة على التنقل منذ اللحظة الأولى التي تكتشف فيها الإعاقة حتى لا يكونوا عالة على أحد في مختلف مراحل حياتهم، وهو ما كفلته القوانين والتشريعات التي تؤكد أن الإعاقة في مفهومها الآخذ في التطور »تحدث بسبب التفاعل بين الأشخاص ذوي الإعاقة والحواجز في المواقف والبيئات المحيطة التي تحول دون مشاركتهم في مجتمعهم على قدم المساواة مع الآخرين«.
إذن، لابد من محاسبة؛ بل ومقاضاة كل من يحرم شخصاً معاقاً من ممارسة حقوقه.. وإذا كان لابد للبعض من تطبيق اللوائح الخاصة التي تأخرت عن مواكبة التطور الحاصل في كل العالم فعليه هي أن تؤمن المرافقين والمساعدين والخدمات المساندة بدل أن تختار الطريق الأقصر. وبذلك لا تتخلف ممارساتنا العملية وأفعالنا عن أقوالنا وتشريعاتنا وقوانيننا التي ستأخذ طريقها إلي التطبيق حتماً ولو بعد حين.