تنتظر الأم ومعها كامل أفراد العائلة سواء من قريب أو من بعيد بشوق وأحلام وآمال لرؤية مولودها الجديد واستقباله بحب وضمه في حنان ودفء حضنها، ولكن في بعض الحالات تتبدد هذه الأحلام وتتحول هذه الآمال إلى آلام وصدمة لخلق هذا المولود طفلا معاقا.. وتتحول مشاعر الوالدين وتشتد الضغوطات وتتأزم المفاهيم وكلا منهما يلقي اللوم على الآخر ويتناسى الآثار السلبية وإنعكساتها على طفلهما المعاق…
أسئلة كثيرة تطرح في هذا المجال، هل يرفض هذا الطفل لكونه معاق؟ وهل تنتهي العلاقة بين الوالدين بالطلاق وما أهمية وجودهما في رعايته؟ وكثيرا ما تخلق النزاعات وتتلاشى الروابط العائلية وأفراد الأسرة بإنجاب طفل معاق لا ذنب له من كل هذا.
فمن اللحظة التي يعرف الأهل بإعاقة طفلهما يعيشون نقطة تحول لعل أصعبها حين يعلمون أن إبنهم يعاني من إعاقة ما، وتنقلب المشاعر رأسا على عقب يصعب تفهمها ومواجهتها، فقد تصاب الأسرة بحالة من الصدمة والذهول يرافقها الشعور بالقلق والخوف الشديد من المستقبل، وينتقل الوالدان من مشاعر الصدمة إلى الإنكار والتشكيك وعدم الثقة، ومن ثم إلى حالة الحزن الشديد والأسى والألم خاصة عندما يعون بأن الأطباء مجتمعون على تشخيص واحد وفي هذه المرحلة تسيطر مشاعر الغضب والإتهام والعجز والوحدة على الوالدين.
لكن من الصعب والمؤسف أن تصل هذه المشاعر وتتحول إلى أشد مراحل القسوة، وفي لحظة من لحظات قلة الوعي وقلة الضمير وإنعدام لفهموم الإنسانية وبعد خلافات لا مبرر لها يقرر الوالدين ترك طفلهما الرضيع بعد علمهما أنه مصاب بإعاقة شلل دماغي رافضين إستلامه، فكيف تغادري أيتها الأم تاركة فلذة كبدك حبيس القفص الزجاجي! وكيف ترفض أيها الأب إستلام إبنك الذي يحمل إسمك ودمك هل وصلت بكما القسوة إلى هذا الحد أين الإستغفار والصبر والإيمان بقدر الله عزوجل.
للأسف أن تعيش عائلات عربية حالات واقعية كهذه، تنتهي أغلبها بالطلاق أو بتفكك عائلي وبروابط ضعيفة يكون ضحيتها في الأول والأخير هذا الشخص من ذوي الإعاقة، ومع هذا كله من الخطأ أن ننكر وجود عائلات متميزة قد تكون قدوة مثالية، عائلات صنعت التحدي يكون الأمر فيها عكسيا حيث تقبل الاعاقة وتوحد العائلة بعد أن كانوا متفرقين فيجدون هدفا مشتركا يعملون من أجله ويتكاتفون لمواجهة مصاعب الإعاقة علما أن المعاق يحتاج لرعاية أكبر وإهتمام خاص وتعامل مميز وهو يتأثر بشكل كبير من الحياة الأسرية المشحونة والعلاقة السلبية لأهله مما يصعب عليهم مهمة تطويره وتأهيله.
ومن المهم مناشدة الأسرة والوالدين وخاصة الأم فهي التي تستطيع أن تحيا بإبنها المعاق وترفعه إلى مراتب من التقدم ومن ثم يحقق نتائج إيجابية، وعلى الأسرة أن تجتمع لإعطائه الآمان والحب وإشباع حاجته النفسية والإجتماعية ويجب على الأسرة أن توفر كل هذه الإحتياجات النفسية والمعنوية لكي ينموا هذا الطفل المعاق كغيره من الأطفال الغير معاقين ويحصل على كامل حقوقه الإنسانية والإجتماعية العادلة، وتبقى رعاية الطفل المعاق من أبويه هي الأفضل نفسيا وصحيا من الرعاية في المؤسسات مهما ارتفعت مستويات الخدمات فيها.
وفي الأخير من المهم أن نقوي إيماننا بالله سبحانه وتعالـى والثقة به والتوكل عليه، وعلينا أن نعلم أن إنجاب طفل من ذوي الإعاقة هو ابتلاء وامتحان نكرم فيه أو نهان ويمكننا عبر هذا الابتلاء التكفير من ذنوبنا والتفكير بالجانب الايجابي وليس السلبي فقط والنظر الى الشخص المعاق على أنه يمتلك نقطة ضوء يتميز بها مما يتوجب علينا أن نكتشفها فيه فقد تضيء الأرجاء من حوله .