اشتق مصطلح الشفافية من فعل: (شف) الثوب ونحوه ـ شفوفاً: رق حتى يرى ما خلفه. والشيء لم يحجب ما وراءه.
أما اصطلاحا فتعني (المكاشفة بين افراد المجتمع في مختلف المجالات والحكومة والشعب. وكذا مؤسسات المجتمع المدني وهي تعني إجرائياً: (الوضوح والمكاشفة التي ينبغي أن تكون تجاه قضايا الفساد المالي والإداري والفني والاجتماعي والسياسي… إلخ) من قبل مؤسسات الدولة وفئات المجتمع كافة.
ولمصطلح الشفافية كلمات تتداخل معها مثل: العدالة والصدق والإخلاص والأمانة وهو بالمعنى المستعار في علم الفيزياء يعني المادة الشفافة وهي المادة الواضحة الزجاجية التي يمكن رؤية تصرفات الأطراف من خلالها.
وعرفت الشفافية على أنها الوضوح التام في اتخاذ القرارات ورسم الخطط والسياسات وعرضها على الجهات المعنية في مراقبة الأداء وخضوع الممارسات الإدارية والسياسات للمحاسبة والمراقبة المستمرة.
وتعرف الشفافية أيضا بأنها وضوح التشريعات وسهولة فهمها واستقرارها وانسجامها مع بعضها وموضوعيتها ووضوح لغتها ومرونتها وتطورها وسهولة الوصول إلى اتخاذ القرارات على أساس درجة كبيرة من الدقة والوضوح، وفقا للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية وبما يتناسب مع روح العصر إضافة الى تبسيط الإجراءات ونشر المعلومات والإفصاح عنها وسهولة الوصول إليها بحيث تكون متاحة للجميع.
كما أن مصطلح الشفافية من المفاهيم الإدارية الحديثة المتطورة التي يجب على جميع المنظمات الإدارية الأخذ بها لما لها من أهمية في إحداث إدارة ناجحة تحاول معالجة العديد من المشاكل الإدارية كغموض في القوانين واللوائح المعمول بها ومحاولة إيجاد سبل لتبسيط الإجراءات من أجل مكافحة الفساد الإداري، وإن زيادة الشفافية تساهم في زيادة درجة الثقة التي تمنحها المنظمات لموظفيها والمواطنين المراجعين للحصول على الخدمات التي يريدونها.
ويقصد بمبدأ الشفافية في المؤسسات هو خلق بيئة تكون فيها المعلومات المتعلقة بالظروف والقرارات والأعمال الحالية متاحة ومنظورة ومفهومة وبشكل أكثر تحديداً، وتوفير المعلومات وجعل القرارات المتصلة بالسياسة المتعلقة بالمجتمع معلومة من خلال النشر في الوقت المناسب والانفتاح لكل الأطراف ذوي العلاقة. والقائد والموظف ذو الشفافية يجب أن ينأى بنفسه عن مقاربة دوائر الشبهات عموماً والمالية خاصة ويبعد تماماً عن كل ما يمس أمانته ويخدش كرامته من تصرفات مادية ومعنوية ويكون ذا شفافية فى كل ما يقدمه من معلومات صادقة للمستفيدين منفتحاً على كل من يطرق بابه.
ووردت أحاديث شريفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين شفافيته، فحينما دخل بستان أنصاري، ورأى فيه جملاً، فلما رأى النبيَّ حن وذرفت عيناه، فأقبل عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ومسح ذفريه (عظم شاخص خلف الإذنين)، وقال: (من صاحب هذا الجمل؟ فقالوا: فتى من الأنصار، قال: ائتوني به، فلما جاؤوا به، قال: أَفلا تَتَّق اللهَ في هذه البَهيمةِ التي مَلَّكَكَ اللهُ إِيَّاها؟ فَإِنَّهُ شَكا إِليَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وتُدْئِبُهُ) (أخرجه مالك في الموطأ).
ولتحقيق مبدأ للشفافية الإدارية هناك متطلبات أساسية وتوافرها أصبح شرطاً أساسياً في العمليات الإدارية والتنظيمية إذا رغبت المنظمة بالارتقاء بمستوى إدارتها إلى مستوى حضاري يساهم في تحسين المستوى المعيشي للفرد وهي متعددة ومن أهمها:
- الالتزام بالانفتاح، والشفافية، والأمانة، فيما يتعلق بالمنظمة ورسالتها، وسياستها، ونشاطاتها على المستويات الإدارية كافة، بشكل يسمح بمساءلة جادة للمنظمة وللعاملين بها فيما يتعلق بمعاملاتها كافة ومع الأطراف ذات العلاقة.
- العمل، ضمن اجراءات واضحة ومعلنة، على تبني مواقف ذات علاقة بسياسات المنظمة المالية والتنموية، ومواقفها من السياسات العامة، ضمن سياسات أخلاقية صريحة توجه الخيارات الاستراتيجية.
- الالتزام بسياسة واضحة للنشر تتضمن حفظ وتوثيق كل ما يتعلق ببناء المؤسسة وعملها، من خلال إصدار قرارات إدارية أو لوائح واجراءات مصادق عليها واضحة فيما يتعلق بنشر المعلومات الشفوية والكتابية أو المخزنة إلكترونياً.
- التعهد من قبل كل فرد في المؤسسة بتوفير المعلومات الصحيحة للجمهور العام بأعلى مستوى من الدقة وذلك بتخصيص إدارة أو وحدة، أو شخص على الأقل، للقيام بهذه المهمة لتوفير قناة اتصال المؤسسة بالجمهور، واتخاذ الإجراءات التي تضمن حفظ السجلات والمعلومات التي تتعلق بعمل المؤسسة بما يضمن دقة المعلومات والأمانة وسهولة عملية عرض المعلومات وتحليلها وتقديمها لطالبيها وفق اجراءات واضحة ومنظمة.
- التعهد بالمحافظة على سرية المعلومات الشخصية المتعلقة بشؤون الموظفين والعملاء ما لم يتنازل الأشخاص المعنيون عن هذا الحق أو يتطلب القانون كشف هذه البيانات.
- تبني اجراءات مكتوبة ومعلنة تحمي الموارد البشرية في المؤسسة، من الممارسات غير المهنية، بما فيها أسس التوظيف، والتقييم والتدريب والترقيات وسلم الرواتب، وآلية اختيار المستفيدين، وشبكة علاقاتها.
ومبدأ الشفافية هو مستخلص من قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (سورة البقرة ـ الآية 282).
والآية صريحة فى دعوتها للتدوين بكل شفافية لعكس صورة حقيقة وصادقة للحسابات وهذه الشفافية يمكن أن تتوسع دستوريا لتشمل كل مناحي الحياة.