من المفاهيم الخاطئة التي تكاد تكون شائعة لدى معظم الطلبة أن العطلة الصيفية انقطاع تام عن هموم التعليم والتدريب والضوابط والعادات المدرسية الحميدة التي تلقوها خلال سنة دراسية كاملة، ويظهر أثر هذا الانقطاع على جميع الطلبة ـ وإن اختلفت درجاته ـ مع بداية شهور العطلة الصيفية الطويلة واتلاف آخر كتاب امتحنوا فيه وكل ما له علاقة بالمدرسة من دفاتر وأوراق امتحانات باستثناء يكاد يكون وحيداً لدرجات نهاية العام.
وتبدأ عادات هؤلاء الطلاب بالاضطراب، وتنقطع صلتهم بالكلمة المكتوبة ويتخلون شيئاً فشيئاً عن السلوكيات الايجابية المكتسبة ويزداد شغفهم باللهو وألعاب الكمبيوتر وبرامج التلفزيون على تنوعها وعدم ملاءمة بعضها لأعمارهم، وغيرها من أساليب اللهو غير المخطط، ولا يتردد بعضهم بالتفنن في إثارة المشاكل وافتعالها داخل البيت لعدم وجود شيء يشغلهم ويستنفد طاقاتهم الفتية ويملأ أوقات فراغهم بما هو مفيد ونافع.
ويتجلى هذا الأثر أكثر لدى الطلاب من ذوي الإعاقة الذين تعني لهم المدرسة الشيء الكثير فهي المحضن الدافىء الذي مكنهم من التكيف مع إعاقتهم وزودهم بالخبرات والمعارف والمهارات الضرورية ليسلكوا دروب الحياة بحرية واستقلالية وسط أجواء كلها محبة وتفاهم وصداقات متينة تربطهم بزملاء الدراسة.
يضاف إلى هذا أن تدريب وتعليم هذه الفئات ـ التي يتسم بعضها بسرعة نسيان ما تعلمه من معارف أكاديمية وخبرات عملية ـ بحاجة إلى تواصل واستمرارية قد لا يوفرها الأهل وهو ما أثبتته ـ على سبيل المثال ـ مجموعة من الزيارات المنزلية قامت بها المعلمات في مدرسة الوفاء لتنمية القدرات في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ـ مباشرة بعد انتهاء دوام الطلبة ـ حيث وجدن أن العديد من السلوكيات الايجابية التي اجتهدن طوال العام من أجل اكسابها للأبناء من ذوي الإعاقة قد حلت محلها سلوكيات أخرى لا تفيد في شيء مستقبل هذه الفئة وأقل ما يقال فيها أنها عودة إلى الاتكالية والاعتماد على الآخرين في أبسط الأمور.
لا نقول أن جميع المدارس قد أدت دورها على أكمل وجه فكثير منها لا تولي حصص النشاط أي اهتمام يذكر ناهيك عن الأنشطة اللاصفية وتكتفي بتلقين التلاميذ أو حشوهم بالمناهج المدرسية فلا تنمي لديهم امكانية التحصيل الذاتي وملكة استثمار أوقات الفراغ بالممتع والمفيد، كما أن المراكز والمؤسسات الخاصة لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب في العلاقة مع الأهل وتوظيف هذه العلاقة لضمان استمرارية العملية التربوية والتأهيلية.
ولكن هذا لا يعفي الأهل من مسؤولياتهم ولا يعني دخولهم مع أبنائهم في إجازة طويلة بعد عام دراسي طويل فمثلما كان الأهل مشاركين فاعلين أثناء السنة الدراسية في متابعة تحصيل أبنائهم العلمي عليهم أن يكونوا بارعين في التخطيط لأوقات فراغهم حتى لو كانت داخل جدران البيت الأربعة، وإن لم يستطيعوا ذلك فالبدائل كثيرة والأندية والمراكز الصيفية كثيرة ومتاحة لكل المستويات والرغبات بما فيها المركز الصيفي الذي تنظمه المدينة والذي روعيت فيه أهداف دمج الأطفال من ذوي الإعاقة مع باقي الأطفال الذين يمتلكون خبرات إيجابية في التعامل معهم بالإضافة إلى الإشراف المباشر والموجه من أجل تنمية المزيد من الخصائص الايجابية لديهم وزيادة الثقة بأنفسهم والتقليل من الخبرات والتجارب الفاشلة التي قد يتعرضون لها في أماكن أخرى.
إن التخطيط لمستقبل الأبناء ـ وإن كان مسؤولية اجتماعية في المحصلة العامة ـ إلا أنه الشغل الشاغل لكل أسرة مهما كان موقعها أو مكانتها أو مستوى تحصيل أفرادها العلمي ولا نتوقع أن أحداً يريد إلا الخير لفلذة كبده وخصوصاً الأبناء ذوي الإعاقة الذين هم بأشد الحاجة لأن يربحوا استقلاليتهم وأنفسهم وأن يتمسكوا بكل مهارة أو معلومة أو خبرة ناجحة اكتسبوها في عامهم الدراسي.
فحذار من الحماية والتدليل الزائدين… ومن المفاهيم الخاطئة التي تقلل من امكانات الأبناء ذوي الإعاقة وقدراتهم.. ومن الركون إلى دعة أشهر الصيف الطويلة ولهوها.