بقلم أ . د . زيد بن محمد الرماني ، المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كان دافع المؤلف لتأليف هذا الكتاب, كما يقول في مقدمة كتابه ( الاقتصاد كما أشرحه لابنتي ) ثمرة دعوة للتحدث مباشرة إلى الشبيبة عن الاقتصاد ذلك أن الاقتصاد أكبر من أن يترك للاقتصاديين فقط.
يقول المؤلف يانيس فاروفاكيس وهو اقتصادي يوناني و وزير مالية : إذا أردنا تشييد جسر, من الأفضل ترك ذلك لأصحاب الخبرة وللمهندسين. وإذا احتجنا إلى إجراء عمل جراحي, خير لنا أن نجد جراحاً لإجرائه. لكن الكتب التي تبسط العلم مهمة في عالم يتجنب فيه أولادنا المقررات العلمية.
إن تنمية تقدير عام و واسع النطاق للعلم تحيط بدرع واق المجتمع العلمي الذي ينبغي أن ينتج الخبراء الذين يحتاجهم المجتمع. وبهذا المعنى, يختلف هذا الكتاب الصغير اختلافاً بيناً عن تلك الكتب.
يقول المؤلف : بصفتي أستاذاً في علم الاقتصاد, اعتقدت على الدوام أنه إن لم يكن في وسعنا شرح الاقتصاد بلغة يستطيع الشبان فهمها, فإننا ببساطة شديدة جاهلون. وبمرور الزمن, أدركت أمراً آخر, تناقضاً ممتعاً يتعلق بمهنتي عزز هذا الإدراك : كلما أصبحت نماذجنا عن الاقتصاد أكثر علمية, قل ارتباطها بالاقتصاد الحقيقي القائم.
وهذا تحديداً عكس ما يحدث في علم الفيزياء والهندسة وبقية العلوم الحقيقية, حيث تسلط زيادة التطور العلمي مزيداً ومزيداً من الضوء على كيفية عمل الطبيعة في الواقع.
هذا هو السبب في أن هذا الكتاب يمثل محاولة المؤلف للقيام بنقيض لتبسيط علم الاقتصاد : إذا نجح, لابد أن يحث قراءه على الإمساك بزمام الاقتصاد بأياديهم وجعلهم يدركون أنه لفهم الاقتصاد عليهم فهم السبب في أن الذين نصبوا أنفسهم خبراء في الاقتصاد, أي الاقتصاديين, هم دائماً على خطأ.
إن ضمان السماح لكل شخص بالتحدث عن الاقتصاد بصورة موثوقة هو متطلب أساسي لمجتمع صالح. حيث تقرر نجاحات الاقتصاد وإخفاقاته مصير حياتنا, وإذا انصعنا لخبراء الاقتصاد, فإننا نسلمهم عملياً جميع القرارات المهمة.
وهكذا يرى المؤلف أن تأليف هذا الكتاب كان بالنسبة إليه متعة. إذ إنه النص الوحيد – حسب قوله – الذي كتبه دون هوامش أو مراجع أو الأدوات اللازمة للكتب العلمية. وعلى عكس تلك الكتب الجدية, كتب هذا الكتاب بلغته الأم ( اللغة اليونانية ).
ثم يقول المؤلف لقد تركت الكتاب يكتب نفسه, من دون خطة أو جدول محتويات مؤقت أو مخطط أولي. حيث لم تستغرق الكتابة سوى تسعة أيام. وقد ترجم هذا الكتاب الصغير إلى لغات كثيرة واكتسبت تأملاته جمهوراً واسعاً في أماكن مختلفة.
يقول المؤلف : كان تأليف هذا الكتاب مؤلماً بصورة استثنائية, وكانت إعادة صياغته في تجسيده بالإنجليزية علاجاً شافياً : الهرب من المصائب والمحن التي تحيق بالمرء في دوامة اقتصاد متهاو و منهار. وفي ضوء ما كتبته, قد يتفاجأ القراء بغياب أي إشارة إلى رأس المال أو الرأسمالية في هذا الكتاب. فقد اخترت إغفال كلمات كهذه, ليس بسبب وجود أي خطب فيها, لكن لأنها محملة بتركة من الهموم الثقيلة, تقف في طريق إنارة جوهر الأمور. لذلك استخدمت مصطلح مجتمع السوق, عوضاً عن التحدث عن الرأسمالية. وعوضاً عن رأس المال, ستجدون كلمات أكثر معيارية مثل : آلية , وإنتاج. لماذا نستخدم الرطانة إن كان في وسعنا تفاديها.
واعترف المؤلف بأن هذا الكتاب, كتب من الوعي في تسعة أيام فحسب, وضمّنه بأفكار وعبارات ونظريات وقصص جمعها بوعي أو بغير وعي أو استعارها أو أخذها منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي كما يقول. وذلك لتشكيل تفكيره ومساعدته في ابتكار أدوات تعليمية تخلص الطلاب والناس من الخمول.