كثر الحديث مؤخراً عن موضوع دمج المعاقين في المدارس العادية وكثرت المحاولات وتنوعت وشملت عدداً من الإعاقات بما فيها الإعاقة الحركية والسمعية والذهنية البسيطة وحالات من متلازمة داون وعرض التوحد.
ومن المفيد هنا الإشارة إلى تجربة مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في هذا المجال التربوي الهام للاستفادة من خبرتها ومعرفتها الكبيرتين اللتين راكمتهما على مدى سنوات طويلة.. إذ على الرغم من عدم نضوج الظروف الموضوعية المحيطة فقد استطاعت المدينة منذ ذاك الوقت وحتى الآن دمج عدد كبير من المعاقين في مختلف المراحل من الروضة وحتى الجامعة، وأغلب هذه الحالات يمكن وسمه بالنجاح والقليل منها يضاف إلى التجارب القيمة التي تستحق الدراسة والتوقف عندها لا للتراجع عن فكرة الدمج والنكوص عنها بل تأكيداً لها واستكمالاً لشروط نجاحها مستقبلاً خصوصاً بعد صدور قانون حقوق المعاقين في الدولة وتأكيده على توفير فرص متكافئة للتعليم لجميع الإعاقات سواء في فصول خاصة أو في المدارس العامة مع ما يستتبع ذلك من مستلزمات.
إذن، التربة أصبحت الآن مهيأة أكثر للدمج مع صدور هذا القانون وتوفر الخبرات والتجارب.. لكننا وبالقدر الذي نطالب فيه بسرعة تطبيق القانون ووضعه موضع التنفيذ نجد أنفسنا ـ وللأسف ـ مضطرين إلى الدعوة للتمهل والتأني في تطبيق الدمج، خصوصاً ونحن ننظر إلى كثرة الاعلانات والحالات.. والأسقف الزمنية المحددة لتطبيقه تطبيقاً تاماً وشاملاً.. والحماس المنقطع النظير لبعض الجهات التي وجدت في هذا التوجه العصري ضالتها المنشودة لضرب عصفورين بحجر واحد فهي تلبي حاجة الأهالي وتطلعاتهم لمستقبل أفضل لأبنائهم وفي الوقت ذاته تفتح أبواباً جديدة لزيادة الأرباح..
ولقناعتنا الأكيدة بأن حسن النية وسلامة الطوية واجتماع الرأي على تقديم الأفضل للأبناء هو الدافع المحرك والموجه لهذه الموجة التربوية الحميدة.. ولمعرفتنا بأن الخبرة والتجربة تتفاوت بين جهة وأخرى تتصدى لعملية الدمج.. وحتى لا نقع في فخ الارتجال والتسرع وكل ما ينجم عنه من احباطات ومشاعر سلبية قد لا نستطيع محوها مستقبلاً.. فإننا نعتبر أن الظروف اليوم أصبحت أكثر ملاءمة للشروع في تطبيق فكرة الدمج بشكل علمي وتربوي سليم.. وهذا يقتضي خطة متكاملة تشترك فيها جميع الجهات المعنية وذات الخبرة بهذا الشأن التربوي الهام بمن فيهم أولياء الأمور لتحديد وتوفير كل المستلزمات والمتطلبات الضرورية لإنجاح عملية الدمج، وهذا يشمل بالضرورة معرفة أنواع الإعاقات القابلة للدمج وتهيئة الطلاب المدمجين وأسرهم وتوعية المجتمع المدرسي وإعداد المعلمين ورفدهم بالكوادر والخبرات اللازمة للتعامل مع الطالب المعاق بالإضافة إلى تهيئة البيئة المدرسية والمناهج الدراسية لتكون أكثر ملاءمة للقدرات التعلمية للطلاب المدمجين.
إن نجاحنا في وضع الأسس السليمة للدمج التربوي وتوفير مستلزماته الضرورية هو البوابة المشرعة التي سيعبر منها الأبناء نحو المستقبل الأفضل.. إلى مجتمعهم الذي يحبهم بإعاقتهم ويحفظ حقوقهم ويحترم قدراتهم وقابلياتهم.