استطاعت مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية على امتداد سنوات عملها في خدمة الأشخاص ذوي الإعاقة أن تتلمس أبرز احتياجات المجتمع وخصوصاً شريحة الأطفال ومن ضمنهم الأطفال ذوو الإعاقة وأسرهم باعتبارهم من أبرز الفئات الاجتماعية استحقاقاً للخدمات، وكان من أبرز تجلياتها التوقيع على مشروع التدخل المبكر مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة اليونيسيف في 4 اكتوبر 1992 لإنشاء مركز متخصص يلبي هذه الاحتياجات التي لا تقتصر على الأطفال ذوي الإعاقة وأسرهم والشباب المقدمين على الزواج وإنما تعتبر بحق خدمة اجتماعية متقدمة ومتخصصة لكل فئات المجتمع وخصوصاً فئة الأطفال الذين قد تظهر لديهم بعض المشكلات النمائية تتطلب التعامل معها في مرحلة عمرية مبكرة وصولاً إلى تجاوزها أو الحد من آثارها السلبية على مستقبل الطفل نظراً للحساسية الشديدة التي تتميز بها مرحلة الطفولة، وخصوصاً إذا علمنا أن السنتين الأولى والثانية من عمر الطفل هما الأساس لنموه المستقبلي كما أن النمو المبكر دون مشكلات أو عقبات يزود الأطفال بأساس متين للتعلم في المدرسة الابتدائية وللعطاء الاجتماعي البناء في المراحل العمرية اللاحقة وهو بالتالي وبدون مبالغة ـ ضمانة لنمو المجتمع بأسره.
لم تطل الشقة وقتها بين تاريخ توقيع مشروع التدخل المبكر ومباشرة العمل الفعلي في مركز التدخل المبكر في اكتوبر 1993 وقد توج هذا الجهد الحضاري بافتتاح المركز رسمياً في 26 نوفمبر 1994 من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة وصاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود رئيس البرنامج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة وهي المناسبة التي احتفل بها المركز في نوفمبر 2014 تحت شعار (عشرون عاماً من الاحتواء والعطاء) وفيه تلخيص لفلسفته التي تقوم على أساس أن تقديم الخدمات للأطفال في عمر مبكر من شأنه تجنيبهم عوامل الخطر العضوية والبيئية وتزويدهم بالخبرات التعليمية والتدريبية في أبكر وقت ممكن حتى تتطور قدراتهم ويتحسن أداؤهم إلى أقصى مدى ممكن.
وحسب احصاءات مركز التدخل المبكر فقد استفاد من خدماته المتعددة في السنوات الماضية أكثر من 2654 طفلاً، وخلال العام الدراسي الماضي 2013 ـ 2014 وحده قدمت خدمات برامج التدريب الأسري لـ 160 طفلاً وأسرة، وانتظم في فصول المركز الدراسية 46 طفلاً، في حين قدم قسم الإعاقة البصرية خدماته لـ 33، وبلغ اجمالي المستفيدين من خدمات المركز خلال العام الماضي 350 طفلاً، وفي العلاج الطبيعي والوظيفي تم تقديم الخدمة ـ منذ العام 1993 ـ لما مجموعه 1453 طفلاً، وخلال العام الدراسي الماضي أيضاً قدم المركز خدماته لما مجموعه 385، بالإضافة إلى عملية المسح والكشف المبكر عن الصعوبات والمشكلات لدى الأطفال في الحضانات ورياض الأطفال التي شملت 479 طفلاً باجمالي بلغ 4511 طفلاً منذ بداية عمليات المسح سنة 2006 وحتى اليوم.
وبالطبع ليس كل هؤلاء الأطفال ممن استفادوا من خدمات التدخل المبكر يحولون إلى مراكز التربية الخاصة، بل يعد القسم الأكبر منهم للالتحاق بمدارس ورياض الأطفال العامة ليواصلوا تعليمهم مع أقرانهم، أما القسم الذي يلتحق بمراكز التربية الخاصة فيكون أكثر تكيفاً مع الإعاقة وأكثر قدرة على التعامل معها والحد من آثارها مستقبلاً مقارنة بغيرهم من الأطفال الذين لم يتلقوا خدمات التدخل المبكر في عمر مبكر.
لقد وعت مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية أهمية الكشف والتدخل المبكرين وكانت رائدة في هذا المجال على مستوى المنطقة التي كانت تفتقر إلى هذا النوع من الخدمات، ونسوق في هذا المجال شهادة نعتز بها للدكتور رون سايمنسون أستاذ علم النفس بجامعة كارولينا الأمريكية الذي أشرف في أغسطس 2005 على عدد من الورش للعاملين مع الأشخاص ذوي الإعاقة أوضح وقتها أن أقدم بداية للتدخل المبكر في العالم كانت فكرة طرحها عالم بريطاني سنة 1909 إلا أن البداية الرسمية للتدخل المبكر في أوروبا وأمريكا كانت سنة 1986 وبالمقارنة فإن بداية التدخل المبكر في الإمارات ومدينة الشارقة للخدمات الإنسانية تحديداً كانت في سنة 1992 أي بعد بدايتها في أوروبا وأمريكا بحوالي 6 سنوات، وهناك ميزة تحسب لمركز التدخل المبكر بالشارقة وهي أن التدخل المبكر يستمر من عمر صفر وحتى 5 سنوات بينما في أمريكا يبدأ من صفر وينتهي بعمر 3 سنوات!
أخيراً، وفوق كل هذا فقد وضعت مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية التدخل المبكر في صلب توجهها ونص رسالتها ومفادها: (نحن نعمل معاً للحد من أسباب الإعاقة بالتدخل المبكر والتوعية المجتمعية، ونعمل على مناصرة واحتواء وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة بالتعليم والتأهيل والتوظيف ليكونوا مشاركين ومستقلين في مجتمعاتهم).