فهمنا لما يعنيه أن تكون معاقاً قد يقترب فقط من شعور الشخص المعوق تجاه الإعاقة بشكل عام، فلا يمكننا حتى تمني فهم الشخص ككل والأفكار والمشاعر الفريدة المختارة من خبرة شخصية طوال عمر إنسان، وذلك عندما تمس حياة ذلك الشخص. فالخبرات والذكريات والرسائل الواضحة والأوامر التي يتلقاها الشخص طوال حياته ـ سواء بوعي أو لا وعي ـ تنظم هذه الحياة، فهي تخلق منظومة من القيم والتوقعات يقيس بها الشخص نفسه وقيمته النسبية، فتصبح البوصلة التي توجه حياة الشخص وعلاقاته وتنشىء أهداف وأسس عالم الشخص.
ويحدث هذا بمساعدة ذهن يعمل وتركيب جسمان تعلّم بالمحاولة والخطأ أن ينمي طريقة للتغلب على المشكلات المصاعب وأداءً لأعمال تعتبر ملائمة لحياة ذلك الشخص. وفجأة أو بالتدريج حسب طبيعة العامل المعوق، فإن أسس هذه التركيبة تنهار، فالحالة المعوقة وإدراكها الحسي يمزقان التركيب الذي شيد بعناية، فالأدوار والقواعد تتغير والاستقلال النسبي والقدرة على انجاز المهام الأساسية للحياة قد تتلاشى، وقدرات منح واكتساب الحب والرعاية والود (الحس والانفعال) والمساندة تتغير، والاستقرار الاقتصادي النسبي الذي ربما تمتع به الشخص في وقت ما قد يتبخر، وقائمة الأشياء التي تتغير لا نهاية لها.
ربما استطعنا فهم الصدمة ذهنياً وبقدرتنا على الاعتطاف (التوحد مع المريض ومشاعره وانفعالاته) ربما نشعر ببعض آثار الصدمة، وقد نقرن الصدمة مع استجماع ذاكرة لبعض خبرات الألم والفقد التي عانيناها شخصياً، وقهرناها في الماضي، فإذا كان لدينا حالة معوقة نحن أيضاً فقد وصلنا بوضوح لتوافقات على المريض الوصول إليها.. فنحن نعرف نتيجة توافقنا، ولكن بالنسبة للمريض الذي عليه التوافق فإن (نهاية النفق ليست في مجال الإبصار) ولهذا فهي غير موجودة.. فآمال المهنة والزواج والحب والسفر والاستقلال والأمان المالي ربما خابت جميعاً وتحطمت إلى شظايا، والخوف من استحالة المشي أو الرؤية أو السمع أو الحركة قد يستهلك الطاقة، وذلك عندما تطل برأسها فكرة السجن في جسم لا يستطيع الحركة أو الإحساس، ومثل هذه المخاوف تستطيع تدمير أقوى من فينا.
أخصائى الأمراض النفسية والعصبية بمستشفى آل سليمان وشركة كهرباء مصر
طبيب جمعية ومركز التأهيل الشامل للمعاقين بمحافظة بورسعيد
مستشار إعاقات الطفولة لجمعية نور الرحمن
صاحب مدونة ( إطلالة على التوحد ),
كاتب ومؤلف بمجلة وكتاب المنال الصادر عن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
كاتب بمجلة أكاديمية التربية الخاصة السعودية