فى أول سبتمبر 2011 نشرت المجلة الأمريكية للطب النفسي الدراسة التي أجراها فريق بحثي من جامعة يال الأمريكية عن نسبة إنتشار التوحد في كوريا الجنوبية، ووجدوا أنه بين الأطفال البالغين 7 ـ 12 عاما فإن 1 من كل 38 لديه أعراض طيف التوحد. وبطبيعة الحال توالت التعليقات بأن هذه نسبة مرتفعة جدا وتثير الإنتباه والبحث عن أسبابها.
ولكننا فوجئنا بمراكز الصحة الأمريكية CDC تصدر بحثا في 29 مارس 2012 بأن نسبة التوحد بين الأطفال البالغين 8 سنوات في الولايات المتحدة (أي مواليد عام 2004) وصل إلى 1 من كل 88 طفل ، وتلك زيادة ملحوظة عن النسبة التي كانت معروفة في آخر تقارير المراكز عن النسبة في أمريكا والتي كانت 1 من كل 110 طفل من مواليد 1998 .وقد أثارت هذه الزيادة الملحوظة عاصفة كبيرة من التعليقات والتحليلات عن أسبابها المحتملة وخاصة أن قناعة الباحثين والأهالي بكون الجينات هي المسبب للتوحد لم تعد مجدية ، لأن التغير الجيني لا يحدث بهذه السرعة ، وبالتالي فالأقرب للإقناع أن يكون هناك أسباب في البيئة هي التي تتفاعل مع الإستعداد الجيني عند بعض الأطفال فيظهر التوحد وتتزايد نسبته بهذا الشكل الواضح في كافة المجتمعات ، والمثالين الواضحين أمامنا في هذه التقارير الجديدة هما ( كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية).
هنا نتوقف مع دراسة نشرت في 10 أبريل 2012 تتناول نموذجاً مقترحاً لدراسة أسباب التوحد في الولايات المتحدة ، وذلك في مجلة Bio Med Central وهي للباحثة Renee Dufaultوآخرين. فقد لاحظوا عند المقارنة وجود خلل بالجين PON1 يظهر بين الأميركيين من ذوي بالتوحد بينما لا يظهر بين الإيطاليين التوحديين. وهنا بدأوا البحث عن إحتمال تفاعل بعض الأغذية أو المبيد الحشري من الفوسفات العضوي مع الجينات مما أظهر التوحد بين الأمريكيين الذين تستعمل لديهم هذه المواد بينما لا تستعمل في إيطاليا. والمراجعة البحثية في هذا المقال تطرح التفاعل البيئ الجيني epigenetics بشكل متوسع كأحد الأسباب المتداولة للتوحد.
وفى خضم البحث عن أسباب التوحد نطالع بحثا مهما وكبيرا أجري على أكثر من ألفي كندي وأوروبي من ذوي التوحد ونشرته المجلة الأمريكية للوراثة البشرية فى عدد أبريل 2012 وقد توصل لوجود حذف في المادة الجينية على الكروموسوم رقم 19 خاصة للجين SHANK1 بين أفراد أسر الأشخاص ذوي التوحد ، ومن المعلومات الحساسة التي أضافها هذا البحث ، أن الإناث اللاتي يحملن هذا التغير الجيني لا تظهر عليهن أعراض التوحد بينما تظهر على الذكور حاملين هذا التغير. جدير بالذكر أن نسبة التوحد بين الذكور إلى الإناث تتراوح بين 4:1 و5:1 بزيادة ملحوظة جدا بين الذكور في مختلف المجتمعات.
وضمن محاولات فك ألغاز أسباب التوحد فقد نشرت المجلة الدولية لعلم أعصاب النمو بعدد أبريل 2012 بحثا ل Manzardo وآخرين توصلوا فيه إلى وجود نقص في ثمانية من أصل 29 بروتينات cytokines المسؤولة عن وظائف مهمة في الجهاز المناعي وعمليات إنتاج الدم في جسم الإنسان. ومن هذه النتيجة وغيرها يفترض الباحثون وجود خلل في الجهاز المناعي لمصابي التوحد ويطالبون بالبحث عن الجينات التي تشفر رسائل إنتاج هذه البروتينات للتعرف عن إحتمال كونها السبب في هذه الظاهرة لدى ذوي التوحد. بينما يفترض في المقابل أن يكون خلل تلك المواد في مراحل نمو الجنين ثم الطفل مسؤولاً عن التغيرات التي تحدث بأجهزة جسم الإنسان من ذوي التوحد ومن بينها الجهاز العصبى.
نلقاكم على الخير في متابعتنا بالعدد القادم للمنال.
أخصائى الأمراض النفسية والعصبية بمستشفى آل سليمان وشركة كهرباء مصر
طبيب جمعية ومركز التأهيل الشامل للمعاقين بمحافظة بورسعيد
مستشار إعاقات الطفولة لجمعية نور الرحمن
صاحب مدونة ( إطلالة على التوحد ),
كاتب ومؤلف بمجلة وكتاب المنال الصادر عن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
كاتب بمجلة أكاديمية التربية الخاصة السعودية