مقدمة لابد منها مع إصدار المنال الإلكتروني
بعد أن عشنا سنوات نكتب أولا مراسلاتنا على الورق باليد، ثم على البريد الإلكتروني، ومع تطور الوسائل ها نحن ننتقل الى المجلة الإلكترونية بأمل سرعة واتساع دائرة المتابعين، وإتاحة فرصة الرد والتفاعل من قبل القراء والمهتمين. ولأنني آليت على نفسي منذ سنوات كتابة إطلالة على التوحد على (منتدى مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية) فقد لاحظت أنها قرأت 31 ألف مرة، ونقلت كاملة أو بعض أجزائها بإذن أو بدون إذن مني إلى مواقع إلكترونية عديدة وهذا مما يشرفني ويسعدني ويشجعني. أي أن مجلة المنال الإلكترونية تبشر بانتشار مماثل، ولهذا سأجتهد في أن تكون مقالاتي الشهرية حول الجديد والمفيد في التوحد بما يعود بالفائدة على الأهالي والعاملين والباحثين في هذا المجال الصعب والملتبس حتى اللحظة، وبالله التوفيق والسداد.
الجديد في التوحد
أما عن الجديد في التوحد فهو كثير نستهله في المقال الحالي بالجدل الواسع في أوساط علم النفس والأمراض النفسية وكذلك الأهالي والناشطين للدفاع عن حقوق ذوي التوحد، سبب هذا الجدل هو الإعداد للنسخة الخامسة من (الدليل التشخيصي والإحصائي للإضطرابات النفسية) الذى يصدر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي. فقد إقترحت اللجنة المكلفة بمراجعة الباب الخاص بالتوحد أن يتم جمع كل طيف التوحد تحت مسمى واحد بدرجات شدة مختلفة بناء على تأثير الإضطراب في أنشطة الحياة اليومية للمصاب، وبالتالي فسيستبعد الدليل متلازمة أسبيرجر والتي تعد من حالات التوحد ذات الكفاءة. وقد إعترض الأهالي على هذا المقترح لأنه قد يخرج حالات كثيرة من بند تشخيص التوحد وبالتالى يفقدون فرصتهم في العلاج على نفقة الدولة، وفي المقابل فإن إلغاء تشخيص متلازمة أسبيرجر سيظلم من يعانون منه ويعرضهم لوصمة التعامل معهم من منطلق أن كل حالات التوحد غير قادرة على التواصل والتعلم كما يظن الناس غير المتخصصين أو المواطنون العاديون.
أما أنا شخصيا فأرى أن تغيير تصنيف التوحد سوف يؤدي لمشكلة كبيرة فيما يتعلق بنسبة انتشار التوحد في المجتمع. فمن المعروف أن الدراسات الإحصائية لتحديد نسبة حدوث وإنتشار أي مرض تعتمد أول ما تعتمد على (تعريف هذا المرض ووضوح الأعراض المميزة له)، وقد عانى المهتمون بالتوحد من اختلاف الأرقام المنشورة والمعتمدة بسبب عدم تصنيفه قبل ليو كانر طبيب الأعصاب الأمريكي وهانز أسبيرجر العالم الألماني. ثم توالت أشكال المعاناة مع الزعم بأن زيادة أعداد المصابين بالتوحد ترجع لأنهم كانوا يشخصون في الماضي بين حالات الإعاقة الذهنية، وليس لزيادة حقيقية فى مسببات قد زادت من إنتشار المرض. ولكن الأصعب من ذلك سيأتي مع تغير طريقة التصنيف في الدليل التشخيصي بنسخته الخامسة والتي سيصعب مقارنة النتائج التي ستصدر عن بحوث معتمدة عليها مع الإحصائيات القديمة.
ولكي نعطي إشارات بسيطة عن واقع الجدل الحالي فلنتذكر سويا الدراسة التي نشرت في مجلة الطب النفسي الأمريكية في مايو 2011 وتناولت نتيجة بحث أجرى في إحدى مقاطعات كوريا الجنوبية وتولت نفقاته جمعية أوتيزم سبيكس وأجري بإشراف جامعات أمريكية وكورية وانتهى إلى أن نسبة إنتشار التوحد بين الأطفال في المرحلة العمرية 7 ـ 12 سنة في تلك المقاطعة الكورية يبلغ ?2.6، وهي نسبة عالية جدا إذا ما تذكرنا أن النسبة المعتمدة من قبل مراكز الصحة الأمريكية أن واحد من كل 110 طفل في أمريكا مصاب بالتوحد. بينما تفاوتت الأرقام في إنجلترا بين ?0.6 و?1.56 حسب بحوث سيمون بارون كوهن خبير التوحد البريطاني بين عامي 2002 و2009. وهي على كل حال عشرة أضعاف النسبة في فنلندا وأيسلندا اللتين تقاربان جغرافيا بريطانيا وتشبهانها في أسلوب الحياة.
نستخلص مما سبق أن الإختلاف حول نسبة انتشار التوحد وأسباب زيادة النسبة عام بعد آخر سوف يتفاقم وربما يبدأ من نقطة الصفر فى بعض البلدان التى لم تهتم يوما بالإحصاء الطبي ولا تسجيل تشخيصات محددة للأطفال من ذوي الإحتياجات التعليمية الخاصة أو ذوي الإعاقات عند إلتحاقهم بالمدارس.
نلتقي حول الجديد فى دراسات التوحد في العدد القادم.
أخصائى الأمراض النفسية والعصبية بمستشفى آل سليمان وشركة كهرباء مصر
طبيب جمعية ومركز التأهيل الشامل للمعاقين بمحافظة بورسعيد
مستشار إعاقات الطفولة لجمعية نور الرحمن
صاحب مدونة ( إطلالة على التوحد ),
كاتب ومؤلف بمجلة وكتاب المنال الصادر عن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
كاتب بمجلة أكاديمية التربية الخاصة السعودية