مسألة الحقوق عامة لا علاقة لها بتفاوت القدرات بين البشر أو أي اعتبار آخر.. وهو ما نصت عليه المادة الأولى والثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل حوالي سبعة عقود وتحديدا في ديسمبر 1948.
ولا لبس أبداً في أن يمارس الإنسان أو يصل إلى حقوقه كلها ـ بمساعدة أو بدون مساعدة ـ ودون أية عوائق، فكل الحقوق مكفولة في الدساتير والقوانين وفي كل البلدان، ولا يخلو دستور ـ على سبيل المثال ـ من ضمان حق التعليم لجميع أفراد المجتمع مهما تنوعت احتياجاتهم.
ولكن، عندما نتحدث عن حقوق الأبناء من ذوي الإعاقة فإن الأمر ـ وبسبب طبيعة إعاقاتهم وتشابكها مع قضايا قد ترتبط بالتشخيص والكشف والتدخل المبكرين والعلاج والتدريب والتأهيل ـ يحتاج إلى تحضيرات وترتيبات قد تطول ولا تقصر! وتحتاج إلى عقود طويلة قبل أن تعطي ثمارها.
إن تعليم الأطفال من ذوي الإعاقة لا يقل أهمية عن تعليم باقي الأطفال ولا يختلف عنه، ولكنه يزداد أهمية بالنسبة لهؤلاء الأطفال بسبب طبيعة إعاقاتهم وتنوعها، وفي المقابل عدم قدرة مؤسسات التعليم القائمة حالياً ـ مع وجود بعض الاستثناءات القليلة ـ على تلبية احتياجاتهم التعليمية أو توفير الخبرات البشرية المؤهلة للتعامل مع هذه الإعاقات كمعلمي التربية الخاصة الذين يتقنون أساليب تعليم الطلبة ذوي الإعاقة الذهنية أو هؤلاء الذين يتقنون لغة الإشارة أو لغة برايل أو غيرها من الاحتياجات، بالإضافة إلى عدم توفر المناهج والمواد والتقنيات التعليمية وأشكال الاتصال اللازمة والامكانات المادية الكافية.
إن القيام بواجب تعليم الأطفال من ذوي الإعاقة ليست فقط مسؤولية الأسرة التي تتحمل أعباء إضافية في تعليم هؤلاء الأبناء.. وليست مسؤولية المراكز والمؤسسات التعليمية الخاصة التي كثيراً ما تتفاوت أولوياتها تجاه هذا الواجب فيحمل البعض منها الأهل كل المسؤولية في ارتفاع كلف تعليم أبنائهم وتوفير مستلزماته.. كما أن إلقاء المسؤولية كاملة ودفعة واحدة على الدول والحكومات قبل وضع الأرضية الملائمة واكتمال الأسس الكافية لذلك ــ رغم اكتمال الجانب التشريعي والقانوني ــ قد يؤدي إلى تضرر عملية التعليم وسلبيات أخرى غير متوقعة فضلاً عن عدم شمولها لكل فئات الإعاقة.
لقد أقر مؤتمر سلامنكا بأسبانيا منذ أكثر من 20 عاماً أن لكل طفل معاق حقاً أساسياً في التعليم وأن لكل طفل خصائصه الفريدة واهتماماته وقدراته واحتياجاته الخاصة وينبغي أن تطبق البرامج التعليمية على نحو يراعى فيه التنوع في هذه الخصائص والاحتياجات بحيث تتاح للأطفال ذوي الإعاقة فرص الالتحاق بالمدارس العادية التي عليها أن تهيىء لهم التربية الملائمة والقادرة على تلبية تلك الاحتياجات.
كذلك أقرت المعاهدة الدولية حق الأشخاص ذوي الإعاقة في الوصول إلى التعليم والتدريب المهني وتعليم الكبار والتعلم مدى الحياة باستخدام ما يناسب من مواد وتقنيات وأساليب على أيدي مدرسين أكفاء وبما يشجع مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع ويقوي إحساسهم بالكرامة وينمي طاقاتهم وقدراتهم الخلاقة ويمكنهم من تحقيق أقصى درجات الاستقلالية والقدرة البدنية والعقلية والاجتماعية والمهنية وتوفيرخدمات تأهيل وإعادة تأهيل شاملة في مجالات الصحة والتوظيف والتعليم.
وفي دولة الإمارات أقر القانون الاتحادي رقم (29) في شأن حقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة أن الدولة تضمن لهم فرصاً متكافئة للتعليم في جميع المؤسسات التربوية أو التعليمية ضمن الصفوف النظامية أو في صفوف خاصة مع توفير المنهج الدراسي بلغة الإشارة أو طريقة برايل وبأي طرق أخرى حسب مقتضى الحالة.
… إذن، من واجبنا جميعاً العمل على ايصال هذه الرسالة وتذكير المجتمع بمسؤوليته وواجباته تجاه الأشخاص من ذوي الإعاقة وتمكينهم من حقوقهم في العلاج والتأهيل والتعليم والعمل والرياضة والثقافة والترفيه وكل جوانب الحياة وأقرها في القوانين والتشريعات المحلية والدولية..
وهي مسؤولية مضاعفة ينبغي على الحكومات القيام بها والمبادرة إلى وضع الأحكام والآليات لتنفيذ هذه القوانين بالشراكة مع هيئات المجتمع المدني والمؤسسات العاملة في المجال والمعنيين من الأشخاص ذوي الإعاقة وأولياء أمورهم.