تؤكد التقارير العالمية إن أكثر من 780 مليون شخص في الدول النامية ما زالوا غير قادرين على بلوغ ما يكفي من الغذاء لتلبية احتياجاتهم الأساسية اليومية.
كما ان حوالي ملياري انسان (أطفال ونساء) يعانون من نقص بسيط في التغذية. وإن مئات الملايين يعانون من أمراض مزمنة نتيجة تناول أغذية غير متوازية ، ويعاني واحد من بين كل خمسة أشخاص في العالم المتقدم من نقص مزمن في التغذية. كما يموت يوميا (40) الف طفل تحت سن الخامسة بسبب سوء التغذية وأمراض الطفولة وهي مرتبطة بعضها ببعض وكل ما يؤثر على الواحد يؤثر على الأخرى سلبيا كان ام ايجابيا.
ويعتبر الأطفال هم المهددون بالدرجة الأولى لسوء التغذية بأنواعها المختلفة. وان كان الأطفال هم الثروة الحقيقية لكل أمة او موارد الاستثمار للمستقبل فأي خلل يطرأ على الأوضاع الصحية والاقتصادية والأمنية يؤثر في البداية على هذه الثروة فتحرم منها الأمم وبالتالي يطرح موضوع الاستمرارية وبقاء الشعوب بأي صورة. ومن هنا تطرح قضايا الأمن الحقيقي لكل أمة على رأسها الغذائي، ان أي خلل في الأمن الغذائي يؤثر مباشرة على الاطفال، والأمن قبل كل شيء يكون داخليا، محليا قبل أن يكون موضوعا متعلقا بمتغيرات خارجية والأمن الغذائي يبدأ مع الأطفال وتغذية الأطفال في الساعات الأولى حتى يمكننا الحفاظ على المستوى العام واستقلالية الدول وبقائها اقتصاديا وجسديا!!
أن أي خلل اقتصادي يجب أن يطرح كأداة اقتطاع من قوت الأطفال وسنوات عمرهم وهكذا يضطر الأطفال إلى سداد ديون بلادهم.
لا شك ان الأمن الغذائي مرتبط بنسبة كبيرة جدا بالرضاعة الطبيعية كونها أحد أهم المصادر والموارد الغذائية لأي بلد، بل تعتبر أكثرها أهمية في بداية الحياة ومن حيث مدى تأثيرها على الوضع الاقتصادي والصحي في آن واحد وذلك على المدى القريب والبعيد معا.
فلنلق نظرة على علاقة الأمن الغذائي والرضاعة الطبيعية من الزاوية الاقتصادية والمجالات التي تترجم الى اقتصاد وما يترتب عليها من قضايا مصيرية، اذ ان الأمن الغذائي جزء لا يتجزأ من مجمل الأمن القومي.
فأين تقع الرضاعة الطبيعية في الهيكلية العامة لهذا الأمن؟
ورد في آخر تقرير لوضع الأطفال في العالم وحسب احصاءات صندوق النقد الدولي حول المساعدات للدول النامية 1300 التي بلغت بليون دولار ويبلغ حجم سداد الاقساط المستحقة مضافا اليها الفوائد سنويا 200 بليون دولار وهذا يعادل أربعة أضعاف ما تحصل عليه هذه الدول من مساعدات.
ومن المفارقات الغريبة ان الدول النامية تنفق 75% من المساعدات الأجنبية على التسلح والأعمال العسكرية. وهناك (46) دولة التي هي أكبر الدول فقرا تنفق على التسلح ما يعادل حجم انفاقها على التعليم والصحة معا.
ويصرف نحو 15% من جميع المساعدات على الصحة والتعليم بكل مستوياته والبرامج السكانية ومنها يخصص فقط 15% للرعاية الصحية الأولية التي ينبغي ان تشمل التغذية والغذاء. وفي هذه البلاد يعتبر الأطفال عامة والأطفال الرضع خاصة او المواليد الأكثرية السكانية بنسبة عالية جدا وذلك لفشل البرامج السكانية. ولكن ما يلبث هؤلاء الأطفال ان يموتوا قبل ان يكملوا السنة بنسبة (40) الف طفل يوميا بسبب سوء التغذية وفي هذا السن (الرضيع) ينبغي أن يكون التغذية بواسطة حليب الأم. الا ان معظم هؤلاء الأطفال يعتمدون بتغذيتهم على الحليب الصناعي فتفتك بهم الأمراض والحروب فيموت منهم الكثير ومن يبقى على قيد الحياة يبقى ملازما لدائرة الفقر والمرض مع البالغين من أمثالهم الذين سبقوهم الى الفقر والمرض والجهل.
تشير الدراسات الخاصة بوفيات الرضع ان سوء التغذية هذه مرتبط مباشرة بعدم الاعتماد على حليب الأم لتغذية الرضع وان عائلات هؤلاء يشترون الموت للأطفال عندما يشترون لهم الغذاء الصناعي من بدائل الحليب المختلفة اذ ان الأمراض المعدية والاسهالات وعدم التوازن الاستقلالي وضعف المناعة والفقر الناتج عن الانفاق على التغذية يعرض العائلة الى المعاناة ويعرض الطفل الى شتى أنواع الأمراض والوهن والوفاة ومن هنا انتبه الجميع في العالم الى ان أمن العائلة وأمن الطفل وما يجره من أمور مرتبطة بنوعية غذائه والغذاء المطلوب هو حليب الأم الأضمن والأوفر والأمثل الذي لا يضاهيه غذاء. والذي يعتبر حماية لحياة الطفل ونموه ومكانه في العائلة وحفظا على العائلة.
هناك دراسات عديدة أبرزت دور حليب الأم كغذاء لا بديل له للرضع كي يوفر على العائلة وعلى الدولة شراء الأدوية ومراجعات الأطباء وشراء الغذاء الذي لن يزيد الحالة الصحية الا سوءا بالإضافة الى المضاعفات الأخرى التي تنتج عن استعمال البدائل الصناعية والخسائر الجماعية والوفيات الجماعية التي تصيب الأمم بسبب سوء التغذية مما يشكل خسارة للموارد البشرية والموارد المالية.
ستقطع العائلة من ميزانيتها لتشتري البديل السيء الذي هو ايضا مستورد ولا ينتج محليا، ويدفع ثمنه بالعملة الصعبة مما يزيد الديون المترتبة. وكذلك عندما يصاب الطفل بالأمراض الناتجة عن هذا الحليب الصناعي فستشتري العائلة والدولة الأدوية المستوردة ايضا والتي لا تنتج محليا. وتدفع ثمنها بالعملة الصعبة، وهذا ما سيقطع من قوت الأطفال اليافعين والبالغين او سيدفع امنيا او استراتيجيا وما هنالك من أشكال اخرى تخل بأمن الأمم واستقلاليتها وبقائها.
اما حليب الأم والغذاء المتكامل الذي يحمي الطفل من العدوى ويؤمن له النمو الصحيح ويؤمن الصحة للأم ايضا وللعائلة فهو لا يكلف شيئا ويختصر كثيرا شراء الأدوية والعلاج.. الخ واذا اعتمدت جميع النساء على حليب الثدي في تغذية الرضع فكم سيكون دورها كبيرا بتأمين الأمن الغذائي لطفلها ولرضيعها.
لقد أظهرت مؤخرا دراسات اقتصادية حول موضوع حليب الأم من هذه الناحية في العالم الصناعي والعالم النامي الحقائق التالية:
تكلف الرضاعة الصناعية العائلة في السويد 44% من ميزانيتها.بينما تكلف العائلة السودانية 227% أي ان هذه الأخيرة ستكون مديونة، تشتري الغذاء وأشياء أخرى ولكن مشكلة التغذية لن تحل لأن الغذاء الصحيح لا يكون باستبدال حليب الأم وان كان فيما بعد في سوء التغذية التي حلت بالرضيع الذي بقي على قيد الحياة في الظروف السيئة الأخرى، فإن أي نوع غذاء يعطى له فيما بعد لن يصلح ما خربه الغذاء الأساسي في بداية حياته عندما حرم من حليب الأم وستضطر العائلة والدولة الى بيع أي شيء لشراء الغذاء.
ومن هنا يبرز المعنى الاستراتيجي لأهمية الرضاعة الطبيعية في حفاظها على الأمن القومي والاقتصادي وليست فقط مجرد ممارسة حرية الأم بالقيام بها او بالعزوف عنها.
وعندما تفهم الأمهات هذه الحقائق ودورهن في الحفاظ على الأمن الغذائي والقومي فضلا عن دور الأمومة الحقيقية بالارضاع من الثدي. فإنه يمكن انقاذ حياة ما يزيد على مليون طفل رضيع سنويا نضمن لهم الحرية والنمو ونحمي العائلة من الانفاق المفرط والديون اذا كانت فقيرة وما يترتب عليها من أعباء.
وكذلك على المجتمع والهيئات الصحيحة في الدول والشركات الالتزام ببنود المرونة الدولية لتسويق بدائل لبن الأم. وما تنص عليه من قيود لعدم انتشار الحليب الصناعي، مما سيوفر الكثير الكثير للاقتصاد الوطني ويعزز الأمن الغذائي والقومي.
كما ان المرونة تشير الى اهمية حفظ اغذية الأطفال المعلبة وكيفية تداولها في الصيدليات والسوبر ماركت والشروط الصحية عن كيفية الحفظ وما تهتم به لجنة تشجيع الرضاعة الطبيعية في الامارات.
وعلى المستشفيات والمؤسسات الصحية للولادة ورعاية الأم والطفل ان تسمح للأطفال بالانطلاق ببداية جيدة وسليمة في الحياة بالزام الأمهات بالرضاعة الطبيعية بعد الولادة فورا والاستمرار بها وهذا ما تقوم به حاليا مستشفيات أصدقاء الأطفال، والتي أعلن عنها مؤخرا اذ ان مستشفى القاسمي في الشارقة قد أعلنته وزارة الصحة كمستشفى صديق للأطفال على أمل ان يتم التنسيق مع لجنة تشجيع الرضاعة الطبيعية في الامارات للعمل على انتشار المستشفيات الصديقة للأطفال.
مع تكثيف التثقيف والاعلام الصحي عن أهمية الرضاعة الطبيعية بالنسبة للطفل والأم والعائلة والوطن..