بقلم: دكتور إبراهيم أمين القريوتي
عدم تعزيز الاستجابات غير العدوانية يقوي الاستجابات العدوانية.. لأن الاحباط يولد العدوان
عقاب الآباء على السلوك العدواني يؤدي إلى مزيد من العدوان ومن ثم العقاب فمزيد من الاحباط والعدوان!!
تختلف أشكال التعبير عن العدوان باختلاف أعمار الأفراد وجنسهم. فبعض الأفراد يضرب ويدفع الآخرين ويرفسهم، والبعض يستخدم العدوان البدني واللفظي، والبعض الآخر يأخذ ممتلكات الغير ويعتدي على لعب الآخرين. ومما لا شك فيه أن ظروف التنشئة الاجتماعية تساعد على نمو السلوك العدواني، إضافة إلى عوامل أخرى تحيط بالفرد. فالأطفال الذين لا يتلقون إلا القليل من الحب والاهتمام، والذين يُنتَقدون باستمرار ويُعَنَّفون، هؤلاء الأفراد يكونون أميل إلى العدوان في علاقاتهم بغيرهم.
تعريف العدوان
هناك تعريفات عديدة للعدوان، من هذه التعريفات: (العدوان هو السلوك الذي ينتج عنه تخريب أو إصابات)، والبعض أشار إلى أن العدوان هو استخدام القوة والعنف والهجوم، وفي الإنسان يشير إلى محاولة تدمير الغير وممتلكاته، وهو ناتج عن الاحباط.
- العدوان هو تعبير عن إرادة القوة.
- العدوان هو أي فعل أو سلوك يهدف إلى الحاق الضرر أو الأذى بالآخرين.
من الصعب أن نحدد أوائل ظهور تلك المشاعر العدوانية في حياة الطفل، لكن يلاحظ أن الأطفال يندفعون في حالة من الهياج والسخط الموجه نحو مصادر الأحداث التي تؤدي إلى الاحباط أو القمع أو التي تثيره إلى حد الغضب. كما يستخدم الطفل أي وسيلة في متناول يده ليتخلص من المثيرات غير السارة أو غير المرغوبة، وهذه الوسائل في حالة الطفل الصغير عادة ما تكون البكاء والصراخ والهجوم الفعلي المباشر. ويقل العدوان العلني كلما كبر الطفل، فقد تعلم الضوابط الداخلية، ونمت لديه الأساليب المقبولة اجتماعياً والأكثر فعالية في حل الصراعات، ويدخل في هذا المضمار القواعد التي تحكم حقوق الملكية.
كما يصبح الأطفال الأكبر سناً أكثر قدوة من الأطفال الأصغر سناً في تمييز العوامل المؤدية إلى العدوان مثل: أن يميل الأطفال الأكبر سناً إلى الاستجابة للمواقف المقصودة المثيرة للغضب أكثر من المواقف العفوية، كما تقل استجابة الأطفال الأكبر سناً لمواقف الغضب اللفظية إذا ما قورنوا بالأطفال الأقل سناً.
إن صــغار الأطــفال فيما بين سن 5 و6 سنوات من العمر ينظرون إلى العدوان الذي يرجع إلى أسباب شخصية على أنه خطأ كبير (كما في حالة ضرب طفل لآخر.. والاستيلاء على ما معه من حلوى) أكثر من العدوان الذي يرجع إلى دوافع اجتماعية (كما في حالة ضرب طفل لآخر لإجباره على إعادة الحلوى التي سرقها). ويوجد في كل عمر من الأعمار تنوع شاسع في كمية السلوك العدواني بين الأفراد. كما يوجد لدى بعض الأطفال عدوان واضح وثابت في كثير من أنواع السلوك التي يقومون بها. أيضاً يختلف الأطفال في مدى اظهارهم للسلوك العدواني في مواقف الانتقام. فالأطفال الأقل عدواناً يقمعون عدوانهم عندما يكون الانتقام ممكناً. بينما يكون الأطفال العدوانيون أكثر عدوانية في المواقف التي يكون فيها الانتقام ممكناً وسهلاً أكثر من المواقف التي لا يكون الانتقام فيها ممكناً.
يعرف العدوان على أساس أنه نشاط هدام أو تخريبي من أي نوع أو أنه نشاط يقوم به الفرد لإلحاق الأذى بشخص آخر، إما عن طريق الجرح الفيزيقي الحقيقي أو عن طريق سلوك الاستهزاء والسخرية والضحك، وفي الكبار يتخذ العدوان شكل الاستهجان والهجاء أو الخصومات القضائية.
النظريات المفسرة للعدوان
النظرية البيولوجية
تبنى هذه النظرية على افتراض أن اعتداءات الإنسان على نفسه أو على غيره تعتبر سلوكاً فطرياً غير متعلم. ويؤكد (كونراد) على فطرية العدوان حيث أثبتت الدراسات التي أجريت على الحيوانات أن العدوان استعداد فطري وتلقائي للقتال.
نظرية التحليل النفسي
يرى فرويد أن شخصية الفرد تتضمن نوعين من الغرائز أولهما غريزة الحياة مثل الجوع والعطش والجنس وهي الغرائز الضرورية للبقاء، والنوع الثاني غريزة الموت والتي ترمز إلى العدوان.
النظرية السلوكية
يرى أصحاب هذه النظرية أن العدوان سلوك متعلم في أغلبه حيث يتعلم الإنسان سلوكه بالثواب والعقاب، فالسلوك الذي يعزز يميل الفرد إلى تكراره بينما السلوك الذي يعاقب عليه يقلع عنه.
وهناك من يرى أن العدوان مرتبط بالإحباط، وهذا الاتجاه يقود إلى الافتراض بأن العدوان دائماً يعقب الاحباط.
يمر أغلب الناس في حياتهم اليومية بمواقف احباط، فيها تعرقل أهداف الفرد، ولا يصل إلى الجزاء، وتبقى الرغبات دون تحقيق.
إن السلوك العدواني هو الاستجابة النموذجية للإحباط، فقد يكافئ الطفل لأنه يلجأ إلى العدوان. والمكافأة هنا هي الرضى الذي يحققه بإلحاق الأذى أو الضرر بالآخرين أو التعبير عن الغضب. ولكن عندما يتسبب العدوان في أن يعاقب الطفل فإنه يشعر بالإحباط الذي يدفعه نحو مزيد من العدوان.
وتشير الدراسات إلى أن الآباء هم أهم مصدر للإحباط في المنزل أكثر من الأم وخاصة في حالة الأولاد الذكور. وأن العقاب المتقلب يميل إلى إحداث تأثيرات مثبطة، بمعنى أن العقاب لا يقلل العدوان لدى الأطفال الذين يتميز آباؤهم بسلوك متقلب، حيث يعاقب العدوان أحياناً ويكافئ أحياناً أخرى ويهمل في البعض الآخر.
إن الطفل الصغير يعتمد على والديه كلية، وعندما يهمله أحد والديه أو كلاهما فإنه يشعر بالإحباط، ويظهر السلوك العدائي العدواني.
إن نشأة السلوك العدواني ترجع إلى اضطراب في العلاقة الاعتمادية للطفل على الوالدين وأن 95% من الأولاد العدوانيين ينتمون إلى منازل أحد الوالدين فيها ناقد للطفل وجدانياً.
ويؤكد الكثيرون أن الاحباط يؤثر دائماً على العدوان ورغم أن الأمر يتوقف إلى حد كبير على التعلم السابق للفرد، فإن كثيراً من ردود الفعل الأخرى غير العدوان يمكن أن تظهر كاستجابة للإحباط.
إن الأفراد في الأعمار المختلفة يستجيبون ولكن بدرجات متنوعة ومختلفة للإحباط بعد القيام بعمل عدة تجارب على أطفال ما قبل المدرسة في مواقف تعرضوا فيها للإحباط، وتبين أن الاستجابات غير العدوانية التي لا تعزز تضعف وتقوي الاستجابات العدوانية التي تعزز بحيث يمكن القول إن الاحباط يولد العدوان الذي يظهر بعد ذلك بصورة علنية صريحة عندما يصبح الميل ضعيفاً نحو اظهار أنماط أخرى من السلوك.
وهناك ثلاثة أنماط استجابية للإحباط وهي:
- العدوان على الآخرين، ويظهر فجأة عند رؤية الأشكال أو الناس في العالم الخارجي عن الفرد.
- الحل البناء لموقف الاحباط: استبعاد الجانب الانفعالي عن الموقف، السلوك دون خوف من العقاب، بل انكار الاحباط نفسه أو الاصرار في هدوء على حل المشكلة بطريقة بناءة.
- العدوان على الذات الذي يلوم نفسه.
أنواع العدوان
- العدوان المباشر: وهو ذلك العدوان الذي يوجه مباشرة إلى الشخص أو الشيء الذي سبب لنا الإحباط والفشل.
- العدوان المزاح أو المستبدل: وفيه يوجه الفرد العدوان إلى شخص آخر خلافاً لمن تسبب له في الاحباط وذلك عندما يكون مصدر الاحباط قوياً يخشى الفرد بأسه فينقل عدوانه أو انفعاله إلى موضوع آخر يكون أقل قوة ومقاومة وخطراً من الموضوع الأصلي.
- العدوان الصريح.
- العدوان الخفي.
- العدوان المتصل بنزعات حب التسلط والسيطرة من الجماعات الاجتماعية.
وقد يكون العدوان عاماً بمعنى أنه يتجه نحو المجتمع ككل كما هو الحال مع الشخصيات السيكوباتية أو الأحداث الجانحين الذين يعتدون على أفراد المجتمع وممتلكاتهم دون أي إحساس بالذنب.
وقد يكون اتجاه كبش فداء، أي جماعات الأقلية أو أفراد قلائل.
وقد يكون اتجاه الشخص أو الأشخاص المسؤولين حقيقة عن شعوره بالإحباط.
مظاهر العدوان
يتمثل العدوان في عدة مظاهر منها:
- أن تظهر العدوانية في الأفعال العلنية التي يقوم بها الأطفال. إن البعض يدفع أو يشد أو يصارع أو يضرب أو يقرص أو يركل، وبعضهم يلقي بأشياء على الآخرين أو على الأرض، وأحياناً يلوحون بمسدسات أو أسلحة أخرى.
- تظهر العدوانية في الممتلكات بمعنى خدش الأدراج أو الكتابة عليها، أو تهشيهم الكراسي، أو الكتابة على الجدران، ويبدو أن الأطفال العدوانيين ينفذون ما يشبه خطة موضوعة لإتلاف ممتلكات المدرسة أو ممتلكاتهم الشخصية أو ممتلكات الغير، ثقب إطارات السيارات وتفريغها من الهواء.
- أن يلطخ بعض الأطفال ملابسهم أو ملابس الآخرين أو يمزقونها. وبعض الأطفال يعملون على إغاظة والديهم بتكرار فقدانهم لملابسهم أو أشياء تخصهم مثل اللعب، الدراجة، أو الكتب، أو غير ذلك.
- تظهر العدوانية في علاقاتهم مع المعلمين بالمدرسة كأن يظهر بمظهر الوقاحة أو قلة الحياء أو بمظهر التحدي.
- ويتمثل السلوك العدواني في بعض الأحيان على الشكل التالي:
- التلفظ بالسباب أو الشتائم.
- الصراخ.
- الكلام المتسم بالسيطرة.
- التحدث بما سوف يفعلونه بأشخاص آخرين.
- تعبيرات تدل على الاستياء من سلطة الراشدين أو الآباء أو الأقران أو الأخوة أو الأقليات.
- بعض التعبيرات مثل: أنا لا أحبك، أنا أكرهك، سوف أربيه.
أسباب العدوان
- إن السلوك العدواني هو نتيجة لعملية تعزيز طويلة كان الطفل فيها يكافأ من والديه ومن أشقائه وأقرانه على مثل هذا السلوك.
- نتيجة عوامل وراثية ذات تأثير مهم على اظهار السلوك العدواني.
- الخبرات المكتسبة ذات تأثير مهم في اظهار السلوك العدواني.
- العوامل البيئية لها دور في ظهور السلوك العدواني بقوة.
- القوة الجسمية، الحساسية الجسمية، كلها نواح لها تأثير أو دور في تشكيل استجابات الفرد للبيئة التي يتفاعل معها.
هذه عن العوامل الشائعة بشكل عام أما عن الأسباب الشائعة للسلوك العدوان في الطفولة فهي كما يلي:
- الإحباط الذي يدفع الطفل نحو مهاجمة الشخص أو الموضوع الذي يعترض طريقه.
- إظهار الغضب عندما لا يتمكن الطفل من التعبير المباشر عن غضبه من الشخص أو الموضوع الذي يضايقه.
- نبذ الآباء.
- الرغبة في جذب الانتباه.
- رغبة الطفل في استعراض تفوقه.
- الحاجة لحماية الذات عندما يشعر الطفل بعدم الأمن أو عندما يكون في حالة دفاع.
- الغيرة.
- التوحد مع بالغ أو أخ أكبر عدواني.
- التوحد مع الخصائص العدوانية التي تقدمها أجهزة الإعلام.
- العقاب البدني للسلوك يثير الرغبة في العنف.
- اتجاهات الآباء أو الكبار الآخرين التي تتصف بالتسامح مع العدوان.
- التوترات الانفعالية الناتجة عن الضغوط الأسرية والتي لا تتضمن الطفل.
- الظروف المنزلية المنفردة التي تولد لدى الطفل مشاعر الكراهية والغضب الشديدين، ولا يستطيع التعبير عنها في البيت فيحملها معه إلى المدرسة، حيث تكون عوامل الضبط الخارجي أقل قوة وشدة فتظهر على شكل عدوان على زملائه والأثاث المدرسي وكل ما يصادفه من أدوات.
- الظروف المدرسية ذاتها، صعوبة المقررات الدراسية، واهمال شرحها بعناية له، الشعور المتكرر بالإحباط بين زملائه أو عدم ملاءمة نوع التعليم لميوله.
- أسباب داخلية كالاضطرابات والتوترات النفسية المفاجئة والنزوات والأوهام والمحفزات المرضية العصابية.
العدوان وشعبية الطفل
إن مشاعر العداء القائمة في العدوان، لا تؤدي إلى تحسن في العلاقات الاجتماعية الايجابية، فالعدوان يؤدي إلى عدوان مضاد. وليس من المستغرب أن تكون العلاقة سلبية بين العدوان وشعبية الطفل خلال مرحلة الطفولة وأوائل المراهقة. هنا نقف لنسأل سؤالاً: هل يؤدي العدوان إلى أن يصبح الطفل محبوباً أو مكروهاً؟
لقد وجد أن العدوان يحول دون قيام أية علاقات اجتماعية ايجابية طيبة، ووجد أن العدوان يؤدي إلى عدوان مضاد، أو العدوان يقابله عدوان آخر. ولكن هناك نوعاً من العدوان يربط بالشعبية، هو العدوان الناتج عن الإغاظة أو الاستفزاز. أما الأنواع الأخرى من العدوان فكانت ترتبط ارتباطاً سلبياً مع الشعبية، وهذه الأنواع هي:
- الانفجار العدواني، أي الانفجار في ثورة عارمة دون أي ضبط أو تحكم.
- عدوان بدون استفزاز أو إثارة أو غيظ. أي الهجوم أو الجرح والأذى دون استفزاز من الغير.
- العدوان اللفظي أي الهجوم والتدمير لفظياً.
- العدوان غير المباشر، وهو الهجوم أو الجرح عن طريق شخص أو شيء آخر.
- العدوان البدني الجاد ويتضمن الاعتداء أو الأذى الجسمي الحاد على موضوع العدوان.
- العدوان البدني غير الحاد ويتضمن الاعتداء أو الأذى الجسمي غير الحاد على موضوع العدوان.
وهذه الأنواع هي التي لا يوافق عليها الأطفال. إن العدوان الزائد دليل على وجود سوء تكيف أساسي في الشخصية ذلك لأن الطفل يكون قد عجز عن تعلم أساليب أفضل في التعامل مع البيئة، أو أن اتجاهاته للعدوان تكون قوية لدرجة تمنعه من التصرف بطريقة أخرى.
ويلعب التعزيز دوراً هاماً في تكوين العادات العدوانية في الطفل، فالسلوك الذي يلقى التعزيز من الآباء أو الإخوة أو الزملاء والأنداد والمعلمين يميل إلى أن يثبت ويتكرر في خبرة الطفل.
الوالدان كنماذج للعدوان
يعمل الأب كنموذج للطفل الذي يتبنى قيم والده ويقلد سلوكه، بصرف النظر عما إذا كان هذا السلوك هو السلوك المتوقع أو الذي يكافأ عليه. أكدت الكثير من الدراسات على وجود رابطة بين سلوك الأطفال العدواني وبين عقاب الآباء على هذا السلوك. وعندما يقوم الطفل بالسلوك العدواني فإنه يشعر بالرضا أو المكافأة نتيجة لإيذاء الغير ولكن عندما يعاقب، فإنه يشعر بالإحباط، وهذا يقود الطفل إلى مزيد من السلوك العدواني.
وتبين الدراسات أن أطفال ما قبل المدرسة يقلدون أو يكررون سلوك قيادتهم كنماذج لهم، وأيضاً إن فشل الأطفال في مواقف التنافس يؤدي بهم إلى زيادة ميلهم إلى تقليد السلوك العدواني الذي يبديه النموذج.
وقد وجد أن الأطفال العدوانيين في المدارس ينالون كثيراً من العقاب من الأب في المنزل، ويبدو أن العقاب لا يمنع الطفل من الاتيان بالسلوك العدواني. والمعروف أن الطفل يعتمد اعتماداً كبيراً على آبائه وعندما يحبط في هذا الاعتماد، فإن سلوك العدوان سرعان ما يأخذ في الظهور.
أما بالنسبة لاتخاذ الأب أو الأم كمثال أو نموذج للطفل، وأثر ذلك في السلوك العدواني فإن الطفل يتخذ والده مثالاً يقتدى به ويتبنى أو يعتنق قيمه ومبادئه ويقلد سلوكه. إن الكبار عادة ما يكونون مثالاً أو مثلاً عالياً بالنسبة للطفل، فإذا كان سلوكهم عدوانياً كان سلوك الطفل أيضاً عدوانياً. ووجد أن الأطفال الأكثر توحداً أو تقمصاً لشخصية الآباء أظهروا نسبة كبيرة من العدوان في أثناء اللعب بالدمى.
والأب يؤثر في نزعة الطفل نحو العدوان أكثر من الأم. كذلك لوحظ وجود نسبة أكبر من السلوك العدواني بين أطفال الطبقات الاجتماعية الدنيا عن زملائهم من أبناء الطبقة المتوسطة وذلك نظراً لوجود اتجاه متسامح نسبي نحو العدوان عند أبناء الطبقات الوسطى.
وعلى الرغم من التركيز على الآباء كمثال للأبناء إلا أن الملاحظة اليومية تدلنا على امكان تقليد الطفل لكثير من الكبار في البيئة التي يعيش في كنفها، فالأخوة والأخوات والأصدقاء والزملاء والكبار عامة يمكن اتخاذهم مثلاً عليا، ويبدو أنه كلما زاد تعرض الطفل لمواقف عدوانية من الآخرين أو مشاهدة العدوان زاد اظهاره لمثل هذا السلوك. ولقد أجريت عدة دراسات حول تأثير التلفزيون على السلوك العدواني لدى الأطفال لأنه من المعروف أن هذه الوسيلة الاعلامية الترفيهية تقدم في كثير من برامجها كمية كبيرة من العنف سواء كانت هذه البرامج مقدمة للكبار أو الصغار.
ما هو دور المربين إزاء السلوك العدواني؟
بالنسبة للآباء والمعلمين، فإن السلوك العدواني من جانب الأطفال يشكل مشكلة كبرى، فهو في المقام الأول يميل لعرقلة حسن سير العمل بالنسبة لمجموعات الفصل، ولذلك فهو يؤثر على التعليم ويزيده صعوبة، وثانياً فهو يخلق مشاكل تتعلق بحسن النظام، وهذه بدورها لها نتائج شتى معظمها سيء. وثالثاً، فإن الطفل العدواني يسلك بطريقة تجعل تعلمه أكثر صعوبة.
من المقترحات للتغلب على هذا السلوك ما يلي:
- حاول التوصل إلى السبب الذي يجعل الطفل ميالاً إلى شكل من السلوك يعد مصدراً من المتاعب في عملية التكيف. فكل سلوك إنما تحركه حاجة معينة، فإذا كان الطفل يشبع حاجة معينة بسلوك معين فيمكن أن يؤدي إلى سوء التكيف المستمر كلما كبر.
- ساعد الطفل لأن يصبح على وعي كامل بما يفعله، وأن يدرك أنه سيكون أفضل لو اتبع سلوكاً آخر.
- شجع الطفل على أن يطلب أن يغير السلوك الذي تتحقق أنه سيعوقه عن النمو السليم، وعندما يفهم تماماً لماذا نطلب منه القيام بأشياء بطريقة معينة ويوافقك على أن ذلك في مصلحته فإنه سيتعاون معك.
- شجع الطفل على أن يستبدل السلوك المشكل بسلوك مفيد له، ولا تقف في وجه السلوك المشكل لأن ذلك سيعطيه الفرصة لأن يتكرر وتزيد من صعوبة تغييره.
- حاول أن تستبدل كل سلوك مؤذ له ومؤد إلى اضطرابه بسلوك يساعده على حسن التوافق ويساعد على اشباع نفس الحاجة التي كان السلوك الأول يقوم بإشباعها.
- اجعل السلوك الجديد أكثر جاذبية للطفل من القديم بربطه بالجزاء الحسن، إن مكافأة الطفل على جهوده حتى ولو كانت انجازاته أقل مما هو متوقع يجعل الطفل تدريجياً يفكر في السلوك الجديد على أنه أكثر اشباعاً من القديم.
- لا تترك فترات انقطاع طويلة خاصة لو كان السلوك قد تكرر عدة مرات كثيرة أدت إلى استقرار العادة، لأن كل فترة انقطاع تعني تعلماً للسلوك المراد التخلي عنه، مما يجعل عملية التخلي عنه صعبة وغير مشجعة.
- شجع الطفل على أن يكون نشطاً، فالأطفال الأكثر نشاطاً في اللعب يستهلكون كثيراً من الطاقة التي قد تتحول إلى سلوك غير مرغوب فيه، ومن الحيوي أن نعلم أن تقييد حركة الطفل ونشاطه قد يؤدي إلى مخارج سلوكية غير مرغوبة.
- توفير مناخ أسري مريح ومتعاون بإشعاره بالمحبة وبإشباع حاجاته ومطالبه النمائية وحده عندما يسلك سلوكاً طيباً، وعدم اللجوء إلى معاقبته بكثرة على أخطائه.
- مساعدته على الاندماج مع أقرانه، وعدم تحقيرهم أو احراجه معهم أو تكرار حرمانه من المشاركة في أنشطتهم المقبولة.
- اكسابه المعايير الاجتماعية والأخلاقية تدريجياً تبعاً لسنه وقدراته وإثارته بالتشجيع كلما أبدى التزاماً بها لكي يكون مقبولاً من الجماعة.
- السماح له بالاختلاط بالكبار، للإفادة من خبراتهم والاستماع إلى خصائصهم المدعمة لنصائح الوالدين.
- اشراكه في الأنشطة الاجتماعية للأسرة ليشاهد ويقتدي ويسأل ويتعلم.
- تدريبه على تحمل المسؤوليات تدريجياً ابتداء من الاهتمام بأمور نفسه إلى الإسهام بقدر بسيط في رعاية إخوته الصغار إلى المشاركة في بعض مسؤوليات الأسرة.
- تشجيعه على احترام المدرسة والمدرسين لكي يتقبله المجتمع المدرسي قبولاً حسناً.
- عدم التعامل معه بأسلوب استبدادي، وإنما اتباع الحكمة معه خاصة في مواقف اصدار التعليمات والأوامر، فيجب أن تكون بلغة سهلة وبنطق واضح، وتتضمن قدراً ملائماً لسنه من الأعمال، وتتضمن تبريراً لأهميتها، وأن يكون توقيت التكليف بها غير متعارض مع أنشطة الطفل المحببة إليه قدر الامكان.
- عدم تعريضه لنماذج سلوكية سيئة في الأسرة أو المدرسة أو المجتمع أو على شاشة التلفزيون، وإذا كان ذلك ضرورياً فمن المهم أن يحاط علماً بالمترتبات الضارة على سلوكياتهم وبالعقاب الذي أنزل عليهم.
- تشجيعه على اكتساب وتطوير هواية جيدة وتزويده بأدوات اللعب الجماعية لكي يمكنه بذلك تدعيم علاقاته مع نظرائه في السن.
- تجنب العقاب: إن عقاب الطفل يوضح عدم موافقتك على ما قام به من سلوك خاطئ، ولكنه لا يوضح له كيف يتصرف التصرف السليم، لأن اكتساب العادات الحسنة يحتاج إلى تدريب وإلى تشجيع وليس إلى العقاب.
- فضلاً عن أنه لا يؤدي إلى النتيجة المطلوبة فإنه قد يكون خطيراً فضربة شديدة للطفل قد تخل توازنه ويقع على عموده الفقري بدلاً من مؤخرته، وصفعة على أذنه قد تتسبب في انفجار طبلة أذنه أو إصابته بالصمم. لذلك فإن العقاب البدني مرفوض.
- تعليم الفرد المهارات الاجتماعية: غالباً ما يدخل الأفراد في شجار بسبب افتقارهم إلى مهارات اجتماعية كي يتعاملوا مع بعضهم بعضاً بالحديث المتبادل مثلاً.
- وأخيراً، عزل الطفل العدواني في مكان لا تتوفر فيه أية مغريات على ألا يكون العزل مصدر تهديد لإحساسه بالأمن.
المراجع
- محمد عماد الدين اسماعيل (1996)، دليل الوالدين إلى تنشئة الطفل، دار القلم، الكويت، الطبعة الأولى.
- جمال الخطيب (1994)، تعديل السلوك الإنساني، الطبعة الثالثة.
- دليل التربية الخاصة للمعلم والمرشد والمشرف التربوي (1990)، إعداد لجنة من المختصين بإشراف صندوق الملكة علياء للعمل الاجتماعي التطوعي الأردني، عمان ـ الأردن.
- عبد الرحمن العيسوي (1984)، سيكولوجية الجنوح، دار النهضة العربية، بيروت.
- محمد جميل (1981)، قراءات في مشكلات الطفولة، تهامة ـ السعودية، ط 2.
- هدى قناوي (1981)، الطفل تنشئته وحاجاته، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، ط 2.
- محمد خالد الطحان وآخرون (1981)، أسس النمو الإنساني، دار القلم، دبي.
- عبد القادر يوسف (1984)، تكنولوجيا السلوك الإنساني، عالم المعرفة ـ الكويت.
- ليلى أبو الشعر (1992)، الطفل المعاق عقلياً وأسلوب التعامل معه، جمعية المحبة، دمشق ـ سوريا.