العمل في ميدان الإعاقة بمؤسساته وأنشطته المختلفة قبل أن يكون عملاً وظيفياً هو عمل إنساني بالدرجة الأولى يتشرف به من يعمل لخدمة هذه الفئة الغالية على قلوبنا جميعاً، ولكن من يعمل متطوعاً في ميدان المعاقين سواء أكان معلماً أم مشرفاً؛ منظماً أم مسؤولاً أو يقوم بأي عمل يخدم هذه الفئة بشكل مباشر أو غير مباشر إنما هو عمل يجسد قوة الترابط والتلاحم بين أفراد المجتمع والأشخاص المعاقين وإحساسهم بهذه الفئة من خلال العمل على خدمتها بدون مقابل مادي وبالتالي يكون من يقدم هذا العمل إنما يجسد العمل الإنساني النبيل الممتزج بالقيم الاجتماعية والأخلاقية المنبثقة من تعاليم الدين الإسلامي الذي ينتمي إليه هذا الشخص القائم بالعمل وتمثل معدنه الأصيل في خدمة وطنه ومجتمعه بما يعود عليه بالنفع والفائدة.
ما جعلني أكتب عن العمل التطوعي هو ما شاهدته من نشاط هائل مخلص يقوم به شباب وشابات الإمارات في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية شاهدتهم أثناء انعقاد مخيم الأمل الذي تنظمه المدينة سنوياً؛ منظمون ومشرفون ومرافقون وكشافة بذلوا جهوداً كبيرة لخدمة الأطفال المعاقين ومرافقيهم وسهروا على راحتهم وسعوا إلى إسعادهم ورسم الابتسامة على شفاههم وخاصة في حفلات السمر والرحلات. وحقيقة لم يكن عملهم هذا مجاملة أو رياء وإنما خالصاً لله ولخدمة هذه الفئة، على الرغم من أن أغلبهم من الطلاب والطالبات آثروا خدمة هذه الفئة على التمتع بإجازة الفصل الدراسي الأول.
كنت أتحاور مع بعضهم حين تسنح لي الفرصة.. لماذا تعمل متطوعاً في هذا المخيم؟ لم لا تستمتع بإجازتك؟ وكانت إجاباتهم تقول إنهم يعملون لخدمة فئة من المجتمع كان قدرها الإعاقة وتحتاج لمن يرسم الابتسامة ويغرس الفرح والأمل في نفوسها.. نحن وهبنا جزءاً من وقتنا لخدمتها والعمل على إسعادها لا نرجو من ذلك أي مقابل مادي أو معنوي ولا نعمل لأي اعتبارات شخصية تقربنا مما نطمح إليه.
حقيقة لم أكن مقتنعاً تماماً بتلك الإجابات.. ولكن ما رأيته بعيني وما لاحظته وشعرت به من قيام هؤلاء المتطوعين والمتطوعات بالعمل على إسعاد الطفل المعاق في كافة أنشطة المخيم أيقنت أن هذا هو قمة الإخلاص والعمل التطوعي المثالي الذي آمل أن يحتذى به في كل مكان، ولكن أعتقد أن مما حفز هذه الفئة من الشباب على العمل التطوعي ودعاها إليه إحساسها بهذه الفئة ووجود القدوة الحسنة التي تدير دفة العمل الإنساني.
والذي ألاحظه وأشاهده أن العمل التطوعي مقل في أغلب المجتمعات العربية ولا أعرف سبباً لذلك مما يدعوني للتساؤل: هل أصبحنا ماديين لا نخدم مجتمعنا إلا بمقابل مادي؟ هل انعدم عندنا الشعور أو الإحساس بمن حولنا من الأشخاص المعاقين والمحتاجين؟ هل قلّت لدينا النزعة الخيرية والقيم الأخلاقية وضعف انتماؤنا للوطن! هل للإعلام دور في ذلك؟
من هنا لا أنكر أن هناك فئات ـ وللأسف ـ قليلة وهبت حياتها ونفسها للعمل التطوعي في جوانب الخدمات الإنسانية وخاصة في مجال المعاقين وهذا من وجهة نظري أسمى معاني الجهاد بالنفس حيث أن جانب التطوع أو العمل الخيري هو الإحسان سواء بالقول أو العمل أو الإحسان إلى الغير، وهذا ما ينطبق على الشخص الذي يعمل متطوعاً في ميدان المعاقين سواء كان عملاً تطوعياً متفرغاً أو جزئياً، وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو كالقائم الليل الصائم النهار) (رواه البخاري) وذكر أبو ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أبواب الخير كثيرة منها: تُسمع الأصم، وتهدي الأعمى، وتدل المستدل على حاجته وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف، فهذا كله صدقة منك على نفسك)، ويؤكد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على ضرورة مناصرة الضعفاء حيث قال: (إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم).
هذا الاستدلال بنهج وتوجيه الرسول الكريم يدل على أهمية العمل الخيري أو التطوعي فيما يخص المعاقين إنما هو أجر يحصل عليه الإنسان نظير هذا العمل الذي يقدمه ويرجو أن يكون خالصاً لوجه الله لخدمة هذه الفئة والذي يرجو منه الأجر والمثوبة تطبيقاً لمبدأ الترابط والتكاتف الاجتماعي القائم على أساس تعاليم ديننا الإسلامي الذي يحثنا على التمسك بالمبادئ الدينية والأخلاقية والاجتماعية والوطنية، ولكن للأسف الشديد المجتمع الأوروبي متكاتف في الأعمال الإنسانية في مؤسساته وأفراده كل يبادر للعمل التطوعي فتجد أن أغلب من يرأس ويدير ويعمل في مؤسسات الأشخاص المعاقين هم متطوعون ولديهم وظائف مرموقة منهم الطبيب والمهندس والمعلم والمدير، ولكنهم يعملون في أوقات أخرى في تلك المؤسسات وكان أحرى بنا نحن المسلمين والعرب أن نكون السباقين إلى ذلك لأن ما يربطنا ببعضنا كمجتمع عربي مسلم أقوى مما لدى الأوروبيين ونحن تجمعنا روابط الدم واللغة والمصير المشترك وأعظم من ذلك رابطة الدين الإسلامي.
من هنا أجد نفسي متفائلاً بمستقبل يظهر فيه كثير من الشباب ينتهج العمل التطوعي في كافة مرافق المجتمع خاصة إذا آمن برسالته الدينية والأخلاقية التي يجب أن يؤديها في هذه الحياة كشخص مسلم، وبالتالي يكون العمل التطوعي هو جزء من حياة الإنسان المسلم حتى يشعر من تقدم له هذه الخدمة بكيانه ووجوده.
وهنا يأتي دور الإعلام كعنصر مهم في توعية المجتمع على مستوى الأفراد والجماعات بأهمية العمل التطوعي في كافة المؤسسات المجتمعية ومنها التي تعتني بالأشخاص المعاقين وغرس هذه السمة الدينية والأخلاقية خدمة لهذه الفئة الغالية على قلوبنا وبالتالي تحقيق مفهوم الانتماء الحقيقي بما يقدمه من عمل خيري يخدم به مجتمعه.