كما أن الحياة بدون الآخرين لا تعني شيئاً.. كذلك المال لا يساوي شيئاً بدونهم.. تخيل نفسك منعزلاً في جزيرة نائية لا أثر لمخلوق فيها أو حيوان.. ترابها تبر خالص وحصاها جواهر تخلب الألباب وليس عندك أمل بأن يعثر عليك أحد..!
أتذكر هنا وبشدة قصة فيلم )الناجي(Cast away (2001) للنجم الأمريكي توم هانكس، وحديثه مع صديقه المفترض ويلسون الذي لم يكن سوى الكرة المستخدمة في لعبة كرة الطائرة والتي كان من ضمن الطرود التي كانت تحملها طائرة للبريد السريع سقطت في البحر بسبب عاصفة جوية قرب جزيرة نائية ولم ينج منها سواه وما تلاها من ليال موحشة كان يقضيها متحدثاً إلى كرته التي أسماها ويلسون ومحاولاته المستميتة للخروج بصحبته من هذه الجزيرة!!
لا بد أنه افتراض نادر الوقوع قد نسمع عنه في القصص والأفلام.. ولكنه بالفعل مثير للأفكار وللمشاعر لو تم تخيله بصدق وأمانة..
إذن.. ماهو شعورك لو كنت في الموقف ذاته.. ستصرخ بملء صوتك: خذوا كل هذه الأشياء.. التي لا قيمة لها واسمعوني صوت بشري فقط!
هذه الفكرة استخلصناها نحن البشر من افتراض بسيط.. وربما حاولنا بها اقناع بعض الناس بأهمية العمل الخيري وضرورته وأحقية المحتاجين بأموال الأغنياء ومسؤولية هؤلاء تجاههم..
ولكن الإسلام العظيم سبق الجميع إلى إرساء أسس العمل الاجتماعي الخيري والإنساني فكثرت الآيات الكريمة التي تدعو إلى الانفاق في سبيل الله والحض على عمل الخير وايتاء الزكاة والصدقات ومنها ما جاء في سورة التوبة: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم).
وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة).. وغيرها الكثير الكثير من الشواهد..
ومع الأسف فإن العمل الخيري والإنساني في مجتمعاتنا رغم استناده إلى هذه التوجيهات الكريمة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة إلا أنه يشكو من بعض الفوضى والموسمية التي ترافق عادة شهر الصوم، مع أننا نتوخى الدقة والانتظام في كثير من أمور حياتنا الأخرى.. فأيهما أحق بحسن التطبيق ودقته وانتظامه؛ أمورنا ومصالحنا الخاصة نحن البشر! أم شرعة الله سبحانه وتعالى التي ضمن فيها كرامة الإنسان غنياً كان أم فقيراً،.. الأول يعطي ولا يستمنن فيكسب رضوان الله، والآخر يأخذ مما أعطاه الله فيحمد الله ويشكره!!
بالطبع شرع الله تعالى.. الذي لو طبق خير تطبيق لما اشتكى أحد من نقص أو قلة فقيراً كان أم محتاجاً شخصاً ذا إعاقة أو غير معاق.. وكلنا يذكر قصة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع الرجل الضرير الذمّي الذي أمر أن تُرفع عنه الجزية وأن يخصص له من بيت المال ما يكفي حاجته وأن يخصص له خادم ليقوده في سيره.. فهلا اقتدينا !