كان بودنا لو احتضنا أبناءنا الطلبة الذين احتفلنا بتخريجهم الشهر الماضي سنوات وسنوات فلا نفارقهم ولا يفارقونا ولكنها سنة الحياة عندما يكبر الأبناء ينصرفون إلى شؤونهم الخاصة وما علينا إلا تقبل ذلك وتفهمه والتكيف معه بإيجابية.
ولن تكون احتفالات التخريج والتكريم أبداً آخر صلة لنا بهم، فهم أبناؤنا الذين ترعرعوا في هذا المحضن الدافىء الذي أمدهم بأمشاج من فكره ورعايته وتهذيبه ويستحيل أن نتركهم قبل أن نقربهم أكثر من وسطهم الاجتماعي الجديد ونعرف الآخرين بقدراتهم وامكاناتهم وكيفية التعامل معهم، وهو ما يقوم به منذ سنوات طويلة قسم التشغيل والمتابعة في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في محاولة مستمرة للتعامل بكفاءة وايجابية مع كل ما يستجد في أوضاع هؤلاء الطلبة وخصوصاً الذين يحصلون على بعض الوظائف والأعمال.
هذا على الأقل ما يتعلق بنا، ولكننا لا ندعي معرفة الواقع بكل ما يحتويه، ولم تقم للأسف دراسات وبحوث، توضح صحة أو خطأ ما نذهب إليه من جدوى تشغيل الأبناء من ذوي الإعاقة، ومع هذا ومن واقع خبرتنا ومعايشتنا لعدة حالات حقيقية وحية من فئات المعاقين بدءاً من الإعاقة العقلية وحالات عرض داون وذوي الإعاقة السمعية والبصرية وانتهاء بذوي الإعاقة الحركية.. لدينا حالات جد ناجحة في حياتها العملية؛ درست وتدربت وتأهلت وتوظفت في القطاع العام أو عملت في القطاع الخاص؛ أنشأت مشاريع ناجحة ومدرة للربح.
وبالفعل أثبت عدد من أبنائنا الذين تدربوا لفترة مؤقتة أو تم تعيينهم في وظائف ثابتة أنهم جديون ومنضبطون ومثابرون ومنتجون ومحبون لأعمالهم ووظائفهم ويستحقون أن يأخذوا فرصتهم لا مجاملة ولا مداهنة.
إلا أنه ورغم هذه الحقائق فنحن لا نملك أن نفرض أن تغير وزارة أو هيئة حكومية قرارها أو مشروع قرارها بعدم الزام القطاع الخاص بتشغيل نسبة من المعاقين، ولكننا نملك حق إبداء الرأي والنقاش وقرع الحجة بالحجة والحقيقة بالحقيقة لنقول إن الأشخاص المعاقين قادرون على العمل والانتاج في هذا القطاع أو ذاك ـ لا نقول أفضل كما يتحمس البعض ـ بل كغيرهم من الفئات الأخرى الذين تتفاوت قدراتهم ومستوياتهم ضمن المؤهل الواحد والشهادة الواحدة!
إن من حقنا أن ننقل قناعتنا، وقد نكون من أكثر الناس معارضة لفرض الآراء أو تغيير الوقائع بقرار لا يستند حقاً إلى قناعة ذاتية، وهذا أملنا أن يقتنع أصحاب العمل والشركات في القطاع الخاص بمدى جدية هذه الفئة وحرصها على إثبات ذاتها وإظهار قدراتها في قضية نعرف مسبقاً أنها محاطة بالأفكار الجاهزة والآراء السائدة!!
ومع هذا نسأل: أليس من حق الأشخاص المعاقين أن يعملوا وأن يحصلوا كغيرهم على دخل ثابت ومعقول يضمن لهم بناء حياة سعيدة ومستقرة كغيرهم من بني البشر.. الإجابة لا تحتمل النفي.. نعم من حقهم.. ومن واجبنا أن نتعرف عليهم أكثر وأن نمحنهم الفرصة وأن نتحلى تجاههم بالعدل والواقعية .. ونضمن أن لا أحد سيخسر حتى ولو من منطلق ربحي محض!