هل يعلم البعض أن ما يلحقوه من أذى في نفوس الآخرين أشد إيلاماً بكثير من المرات من ذلك الأذى الجسدي الذي قد يلتئم مع مرور الزمن في حين يبقى الأذى النفسي على مر السنين ما أن يرد ذكره حتى يسبب لصاحبه أقسى أنواع الألم والشعور بالقهر خاصة إن كان من تأذى من أصحاب النفوس المرهفة التي تدكميها الكلمة وتقع الإهانة فيها موقع السيف من جسد الضحية كما قال شاعرنا وأديبنا وفيلسوفنا العظيم جبران خليل جبران
وقاتل الجسم مقتول بفعلته وقاتل الروح لا تدري به البشر
من هذا المنطلق نرى أن النفس البشرية أمانة وضعها الله جل وعلا بين أيدينا وأوصانا من خلال أنبيائه ورسله وكتبه أن نحرص عليها ونبجلها حق التبجيل فلا ننكل أو نستهين بها لأن الإنسان جسد ونفس وروح والمس بإحدى هذه المكونات عن قصد أحياناً وعن غير قصد أحياناً أخرى أّذية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فمن رفعة الأخلاق أن نحترم بعضنا بعضاً وأن نكون على قدر ما أودعه رب العالمين فينا من إنسانية ورحمة، ألم يقل رسولنا الكريم: إنما أتيت لأتمم مكاركم الأخلاق، فهل نحن نسير على نهج المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وكي نكون على بينة مما تتطلبه الحياة من وعي وإدراك عميقين فإننا لا بد أن وأن نستخلص من جميع وصايا الرحمة والمحبة أن هاتين الخصلتين يجب ألا تقتصرا على فئة بعينها دون سواها، وإن كان أولئك الذين أنعم عليهم الله بالصحة والعافية من غير المعاقين يستحقون الاحترام والتقدير والمعاملة الحسنة فإن الأشخاص من ذوي الإعاقة وكي لا نقول إنهم أحق بهذه المعاملة فإنهم يتمتعون بذات الحق من الاحترام والتقدير والمعاملة الطيبة وأن نستوعب جميعأً أنهم وقبل أي شيء أناس لهم مشاعرهم وأحاسيسهم التي تزيد في رهافتها وصدقها عن كثير مما لدى الأشخاص غير المعاقين.
مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ومنذ تأسيسها قبل عقود ثلاثة تسعى وبكل ما أوتيت من قدرة على حفظ كرامة الشخص المعاق وحقوقه وتبذل الغالي والنفيس لتثبت لبقية أفراد المجتمع أن الأشخاص من ذوي الإعاقة قادرون على التعلم، قادرون على العمل، قادرون على المساهمة في بناء مجتمعهم ورفده بطاقة خلاقة تدفعه قدمأً نحو التقدم والازدهار.
ومدرسة الوفاء لتنمية القدرات (وهي رافد حيوي من روافد نهر المدينة المتدفق) حريصة كل الحرص على توعية أفراد المجتمع بالأشخاص من ذوي الإعاقة الذهنية والتعريف بهم وبقدراتهم ومواهبهم من خلال العديد من البرامج والأنشطة التي لا يقيدها مكان بعينه بل ينطلق منظموها وطلبتهم بلا حدود إلى الحدائق والأماكن العامة ليتفاعلوا مع أخوتهم من بقية أفراد المجتمع ويتشاركوا معهم حقهم بالوجود والحياة والفعالية المثمرة.
وخلال إحدى هذه الفعاليات التي نظمتها المدرسة، وفي الوقت الذي كان من المفترض أن يكون هذا التفاعل في إحدى حدائق الشارقة قائماً على المحبة والإنسانية وتقبل الآخر تقدمت إحدى السيدات وحاولت تقديم بعض الدراهم لأحد الأشخاص المعاقين من باب الشفقة والإحسان، ومما لا شك فيه أن قصد هذه السيدة نابع من صدق مشاعرها ولا تريد به أية أذية تذكر ولكن..
هل يكون تفاعلنا مع هذه الشريحة ومحاولة مساعدتنا إياها مقتصراً على تقديم بعض النقود لها دون النظر إلى ما قد يخلفه هذا التصرف من إحساس بالبؤس لدى المعاق وأسرته والعاملين معه؟ أم يجب علينا أن نقف مع أنفسنا وقفة صادقة نؤكد من خلالها لأنفسنا أن ما يطلبه الشخص المعاق من مجتمعه أكبر بكثير من حفنة من الدراهم وأكبر بكثير من نظرات الشفقة التي يوزعها البعض كسهام تخترق نفس المعاق وأهله دون مراعاة فتتحول الشفقة التي كان القصد منها نبيلاً إلى سكين جارحة.
كان هذا الطفل يريد أن يلعب مع ابنها فقط، كان يريد منه أن يكون صديقه وحسب، وأسرته في هذه الحالة لا تطلب شيئاً غير ذلك، إذ إن المساعدة المادية ليست حكراً على المعاقين فقط، فهناك الكثير من الاشخاص غير المعاقين يحتاجون إلى هذه المساعدة ولكن الاعتراف بالحقوق الاجتماعية هو ما تريده هذه الشريحة، وهي لا تريده تطبيقاً لنصوص قانونية تفرضها الدولة من دون الاقتناع بهذه النصوص بل تريد أن يكون بقية أفراد المجتمع مؤمنين بهذه الحقوق وممارسين لأدبياتها عن سبق وعي واقتناع.
مسؤولية دمج المعاق في مجتمعه تقع على عاتق الجميع ولا تقتصر على هذه المؤسسة أو تلك لذا وجب على أبناء المجتمع اكتساب ما هو ضروري من الوعي والمعرفة عن ذوي الإعاقة وتقبلهم كجزء لا يتجزأ من البنيان الكلي للهرم الاجتماع، ففي بعض الأحيان يكونون على رأس هذا الهرم إن كان يعتقد البعض عكس ذلك، ومن لم يعلم أن بيتهوفن وهو من أعظم الموسيقيين العالميين الذين أنجبتهم البشرية إن لم يكن أعظمهم قد ألف سمفونيته التاسعة وهو شبه أصم بشكل تام، ومن لم يقرأ شعر أبي العلاء وبشار بن برد المعاقين بصرياً، عدا عن سلسلة العباقرة ذوي التوحد والقائمة تطول، فعليه أن يعيد بدون أدنى شك تثقيف نفسه وليس في ذلك عيب، العيب في الجهل ومن ثم المفاخرة به.
حازم ضاحي شحادة
- بكالوريوس في الصحافة / جامعة دمشق
- صحفي في جريدة الوحدة السورية سابقاً
- صحفي منذ عام 2007 في قسم الإعلام / إدارة الاتصال المؤسسي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- كاتبٌ في مجلة المنال الإلكترونية
الخبرات
- التطوع والعمل سنوياً منذ العام 2008 في مخيم الأمل الذي تنظمه مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية حيث قامَ بتحرير أخباره أولاً بأول.
- التطوع والعمل منذ العام 2008 في مهرجان الكتاب المستعمل الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة منذ العام 2007 في ملتقى المنال الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره.
- المشاركة في ملتقى التوحد (خارج المتاهة) الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في أبريل من العام 2015 وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة في مؤتمر التدخل المبكر الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في يناير من العام 2016 والمساهمة في تحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة في مؤتمر التقنيات المساندة الذي نظمته المدينة في مارس من العام 2017 وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة منذ العام 2008 في حملة الزكاة التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية سنوياً وتحرير أخبارها أولاً بأول.
- لا بد من الإشارة إلى عشرات وعشرات الفعاليات والأنشطة والزيارات التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ويقوم بتحرير أخبارها أولاً بأول.
- كما لا بد من الإشارة إلى أن 80 في المائة من الأخبار المنشورة عن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في مختلف الصحف والمواقع منذ منتصف العام 2007 وحتى يومنا هذا هي من تحريره.
المؤلفات
- أديبٌ سوري يكتبُ في الصحافةِ العربيةِ منذ عشرين عاماً
- صدر له حتى الآن:
- المبغى / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- اختلافٌ عميقٌ في وجهات النظر / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- أيامٌ في البدروسية / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- فوق أرض الذاكرة / مجموعة قصصية. دار آس سوريا
- أوراق نساء / 2012 ـ ديوان . دار بصمات ـ سوريا
- نشرت العديد من قصصهِ في مجلات وصحف ومواقع إلكترونية سورية وعربية منها
- (مجلة الآداب اللبنانية) (مجلة قاب قوسين) الأردنية (مجلة ثقافات الأردنية) (مجلة انتلجنسيا التونسية) (جريدة الوحدة السورية)