بقلم فادي محمد الدحدوح
إن معيار التصور الإسلامي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأنموذج الفذ الكامل، الذي لا يتقدم عليه أي أنموذج آخر في كلّ مجالات وأنشطة الحياة، وعندما نتحدث عن نموذج القيادة المثالية نجد أنفسنا أمام ممارس القيادة الأنموذج والمثال، يعمل بالشورى، يؤسس للبناء والنهضة، ويعمق حرية الرأي ويحاور أصحابه الكرام، ويستمع إلى نصحهم ووجهات نظرهم.
ولا ريب أن مفهوم القيادة نال الكثير من الاهتمام وأجريت عليه الدراسات والأبحاث على مر السنوات، ومختلف الأصعدة في مجالات السياسة والإدارة والتربية وغيرها داخل المؤسسات والمنظمات مهما تنوعت أهدافها وطبيعة عملها واستراتيجية التفكير وأساليب التخطيط.
والمتتبع لمسار القيادة عبر تاريخ الإنسانية يلاحظ أنه بدأ من المحورية الذاتية المطلقة في هيئة شخصية تصبح “كاريزمية” توكل إليها السلطة بشكل مطلق، ومع تطور الفكر الإنساني توصلت كافة الدراسات والأبحاث والتجارب إلى عدمية هذا النمط من السلطة الديكتاتورية المطلقة؛ واستمرت الجهود المتعاقبة إلى أن بزغ نموذج يتأسس على قيم المشاركة والتعاون في العصر الحديث.
وهنا وجب التأكيد أنه لا يمكن أن تتطور عمليات التغيير الكبيرة في المؤسسات من تلقاء ذاتها، فهي تستوجب تنسيقاً فاعلاً وجهداً مؤثراً لعدد من الأشخاص يعملون بكفاءة واجتهاد من أجل توجيه الأشياء نحو وجهة محددة، على الرغم من التحديات التي تقف في وجه التغيير، وبهذا المعنى نتحدث عن القيادة المثالية كتأثير منتظم يمارسه شخص على قرارات وأعمال مجموعة من الأفراد وأحياناً على مجموعة أوسع، مثل منظمة أو مجتمع كامل.
كما يتم بدقة ووعي متكامل من قبل هذه القيادة تحديد متى يستحب القيام بالتغيير ومتى يفضل الإبقاء على الأوضاع كما هي عليه، وفي هذا المجال الذي تمّ تحديده نجد أن مفهوم القيادة في المنظور الإسلامي لا يقوم على المفهوم الكاريزمي الفردي، بل هو مفهوم جماعي مؤطر ومؤسس على قاعدة الشورى والعمل الجماعي المشترك.
إن تأملاً معمقاً ونظرة فاحصة لأحداث وفصول السيرة النبوية الشريفة يدفعنا إلى ملاحظة مدى أهمية قيمة الشورى والعمل الجماعي المشترك بشكل يتماشى مع موقع القيادة المثالية، فقد كان نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم أنموذجاً نابضاً بالقيادة المثالية، فقد أفسح المجال لأصحابه كي يبدوا آراءهم وبسط وجهات نظرهم ما دامت المواضيع والأفكار غير محسومة بنص قطعي الدلالة، والأمثلة في السيرة النبوية كثيرة تفيض ولعل من أبرزها موقف الصحابي الحباب بن المنذر في غزوة بدر الكبرى، وموقف الصحابي الجليل سعد بن معاذ في غزوة الأحزاب.
وعبر دراسة فاحصة لما ورد في هذه الأحداث وغيرها نجد قيادة من نوع خاص، تجعل الشورى ركنًا ركينًا في كلّ ما تزاوله من أعمال أو ما تخطط له من مشروعات وبرامج، ومعنى ذلك أن القيادة المثالية في المنظور والتصور الإسلامي قائمة على ركيزة الشورى التي يُسمح بموجبها لكلّ فرد في المجتمع بأن يُسهم بالرأي والمشورة التي يمكن أن تخدم الصالح العام، كما أن التعاون والعمل بروح الفريق الواحد هما السبيل الناجع لبقاء الجماعة وتماسكها وتحقيق ما تصبو إليه من سعادة ورفاهية.
مما تقدّم نستنتج أن النموذج الإسلامي يعزز ويدعم بروز المواهب والمهارات القيادية في الأفراد، باعتبار أن المجتمع المسلم هو المستفيد من تلك النماذج الإنسانية القيادية الناجحة، وتنبع أهمية القيادة المثالية داخل المؤسسات أو المجتمعات من كونها أمراً ضرورياً لتحقيق التآلف بين الأفراد لبث التعاون فيما بينهم وبين القيادة، حتى يصبح العمل أكثر تنظيماً وأكثر تحقيقاً للأهداف المرجو تحقيقها، إذ يعد هذا أمراً ضرورياً تحتمه التفاعلات بين الأفراد والجماعات، فالقائد رقيب ومنظم وموجه للأفراد في سلوكياتهم ومواقفهم نحو أهداف مشتركة دون إخلال بالنظام العام أو القانون أو العرف أو العادات والتقاليد وغاية ذلك كله الوصول بالجماعة إلى تحقيق ما تصبو إليه دون العبث بالنظام أو إخلال بأمن الآخرين.
فالقيادة المثالية ذات أهمية كبيرة لأنها تطلب النتائج وتسعى إلى الحصول على كفاءة عالية من جميع الأفراد، فكل من يعمل مع هذا النمط يعلم أن العمل ليس سهلاً، فالقائد يطلب أفضل ما يمكن أن يقدمه الأفراد، والتأكيد على الذكاء واللجوء إلى التحليل المنطقي والعمل على حل المشكلات بهدوء، وهو ينظر إلى كل شخصٍ باعتباره فريداً، وبناء عليه يضع قاعدة للتفاعل معه.
وفي النموذج الحديث للقيادة؛ يكون القادة والموظفون شركاء في القيادة؛ فهم معًا يشكلون فريقاً، ومعًا يهدفون إلى التغيير الحقيقي الذي يعكس أهدافهم المتبادلة، كما أنهم يطورون علاقة تأثيرية، بحيث يؤثر كل منهم في الآخر، كما هو الحال في المنظمة والمجتمع، هم لا يعلمون الأشياء ذاتها، لكنهم معًا يصنعون القيادة، فتوجه الموارد كافةً نحو تحقيق الأهداف المرسومة للمنظمة أو المجتمع، من خلال المهارات والكفايات القيادية التي تمكن من تفعيل ومشاركة الأفراد؛ بما يوفر فرص الإبداع والتطوير وتحقيق الأهداف على الوجه الأمثل.
وفي إطار القيادة المثالية؛ تؤكد الاتجاهات الحديثة ضرورة الاهتمام برأس المال الفكري، من خلال الكشف عن القدرات والإمكانات التي يمتلكها العنصر البشري، وتوظيفها التوظيف المناسب، واستثمارها الاستثمار الأمثل، وتحقيق الأهداف المنشودة بأعلى كفاءة وفاعلية، من خلال وسائل عدة، تُشعره بالمسؤولية، وتُحفزه للعطاء؛ ويعد هذا المدخل من أبرز عوامل نجاح القيادة، ونجاح المنظمة في تحقيق أهدافها ضمن منظومة متكاملة من العمل الإبداعي وتنمية الابتكار وتحقيق التعاون ومواجهة الأزمات واطلاق القدرات والطاقات الكامنة، وتتجلى في أروع صورها؛ انطلاقًا من وحي العلاقات الإنسانية التشاركية والتعاونية الفعالة بين القائد والأفراد.
- مكان الإقامة: غزة – فلسطين
- رقم التواصل: 00970598283195
- البريد الالكتروني : [email protected]
- باحث فلسطيني من غزة
- خبير في البحث العلمي والدراسات
- أستاذ جامعي
- مؤلف في مناهج البحث العلمي
- ناشط ولديه مساهمات في العديد من المجلات والشبكات الالكترونية العربية