إعداد الاختصاصية النفسية آمنة إبراهيم الزعابي
لماذا فقد الإنسان في هذه الحقبة الزمنية قوته النفسية، وطاقته الروحية، وأصبحت روحه هشة؟
وهل هذا الجيل حساس وضعيف الشخصية وهل لديه أزمة تمنعه من النضج وتحمل المسؤولية؟
يتحدث علماء النفس عن عملية تسمى بـ Pain catastrophizing أي المبالغة في تضخيم الألم سأستعرض في السطور القادمة هذه العملية التي تعد إشكالية من الإشكاليات النفسية المعاصرة ألا وهي الهشاشة النفسية.
ينفرد الإنسان دون سائر الكائنات بكثافة تفاعلاته مع بعضها البعض ومع الآخرين في شتى مناحي الحياة، وتترتب على هذه التفاعلات مواقف يؤثر فيها المرء بشدة في الآخرين (سلباً وإيجاباً)، ويتأثر هو بالآخرين على نفس المنوال.
اقرأ ايضا: الضغوط النفسية وتأثيرها على حياتنا
ولا شك أن الصدمات جزء لا يتجزأ من حياة كل منا وبحسب مقاومتنا ومرونتنا نبدأ في مواجهة هذه المواقف السلبية ونتقبل أثرها السيئ، وتتراوح فيها معنويات الفرد بين هبوط وصعود وآلام ودموع، ثم نبدأ بالبحث عن الدعم سواء من الأصدقاء أو العائلة أو حتى نلجأ لاختصاصي.
نحن في حقبة زمنية أصبح مدرب التنمية البشرية ومدرب الحياة أو الطبيب النفسي حاجة أساسية وضرورية وليس ترفاً خاصة في ظل الترويج الإعلامي في مواقع التواصل الاجتماعي -السوشال ميديا- حيث ولدت وسائل الاعلام فجوة التوقعات المتصاعدة، بفعل تطورها، والتي نقلت أنماط الحياة المترفة ، فأصبح الشخص يقارن حاله بما يراه، وبات أبناء هذا الجيل أكثر نعومة وأشد حساسية أمام أي تحدٍّ يلزمه بتحمل المسؤولية ومجابهته، استسهل أبناء هذا الجيل الحصول على احتياجاتهم دون عناء وخوض الصعاب أو تقديم مشقة سواء نفسية أو بدنية، فتتأذى نفس الفرد من أقل خدش، وأدنى مشكلة، فيرفع راية الاستسلام، ويترك روحه وذاته نهباً للضعف والأمراض النفسية والاكتئاب، فتراه يكثر البكاء على كل شيء.
حسب منظمة الصحة العالمية فهناك مليار شخص يعانون من الاضطرابات والهشاشة النفسية بشتى صورها، وهناك شخص من كل ثمانية يعاني نفسياَ.
مشكلة الهشاشة النفسية مشكلة كبيرة يغفل الكثيرون عن وجودها في شخصياتهم وتأثيرها الشديد عليهم وعلى علاقتهم مع الآخرين وما يترتب على ذلك من آثار نفسية وعضوية قد يعاني الإنسان منها لسنوات طوال وهو لا يدري شيئاً عن عمق الرابط بينها وتبعاتها على علاقاته ومستقبله المهني.
يجيب إسماعيل عرفة في كتابه الهشاشة النفسية عن سؤال لماذا أصبحنا أضعف وأكثر عرضة للكسر بالقول إننا نقوم أحياناً بتضخيم أي مشكلة تظهر في حياتنا إلى درجة تصويرها ككارثة وجودية، فنحس بالضياع جراءها ونفقد القدرة على المقاومة، ونستسلم للألم وتنهار حياتنا بسبب هذه المشكلة متناسين قوله تعالى في سورة البقرة (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) بمعنى أن الله لا يُطالب عباده ولا يُحملهم ما لا يدخل تحت طاقتهم، أو يشق عليهم مشقة كبيرة.
فنحن نعظم مشاعرنا ونجعلها حكماً نهائيًا على كل شيء تقريباً ونقرر اعتزال كل ما يؤذي مشاعرنا ولو بكلمة بسيطة..
وما نقصده بالهشاشة النفسية هنا هو دوام ترجمة أفعال وأقوال وسلوكيات الآخرين على محمل سلبي ونتصور أن المرء قاصد لإلحاق الضرر بنا والتآمر علينا، سواء وجدنا أو لم نجد في أفعال الآخرين ما يبرر هذا التأويل.
تتجلى الهشاشة النفسية في أشكال أخرى ضمن تعاملاتنا اليومية فنحن نعظم مشاعرنا ونجعلها حكماً نهائياً ونقرر اعتزال كل ما يؤذي مشاعرنا ولو بكلمة بسيطة. نكره نقد أفكارنا ونتعامل مع هذا النقد كأنه انتقاد لنا شخصياً وانتقاص لكرامتنا دون أن نفكر ولو لوهلة أن النقد موجه لفكرتي وليس لشخصي، يلجأ بعض الناس اليوم للخلاص من مواجهة مشاكلهم في الوظيفة إلىث الاستقالة ويواجهون مشاكلهم مع أزواجهم بقرار الانفصال ومع أصدقائهم بقطع العلاقة ومع الأهل بالهجر والانعزال!
يدخل الشخص ذو الهشاشة النفسية في دائرة مغلقة من فقدان الثقة بالنفس وفي الآخرين، ونظراً لأن التفاعل مع الآخرين لازم لاستمرار الحياة والتمتع بها، فلابد للمرء أن يتحلى بالإيجابيات المطلوبة لدرء الأفكار السيئة وسد القنوات التي تولدها الهشاشة النفسية.
ساعدت بيئة النشأة أصحاب الهشاشة النفسية على اكتساب استعداد خاص تجاهها فتجد أن الشاب خلال سنوات عمره لم يتحمل إلا مسؤوليات قليلة وباهتة أضعفت شخصيته، وقد نكون منصفين إذا قلنا إن أغلب الهشاشة النفسية يرجع إلى التنشئة والبيئة وفي الحقيقة قرآننا الكريم دستور يعلمنا كيفية التعامل مع هذه المواقف الضاغطة وكيفية التغلب عليها قال تعالى {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } (سورة فصلت الآية: 34): قد يخطئ المرء قراءة الموقف لهشاشة نفسيته وقد قالت العرب قديماً (إن تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل)، وهذه المهارة تنم عن الحكمة والقوة والسعة في شخصية من يملكها.
ويقول إسماعيل عرفة في كتابه سالف الذكر.. إن فترة المراهقة تمتد إلى منتصف العشرين لأن الشخص حتى منتصف العشرين يكون معتمداً اعتماداً كلياً على ذويه وغير قادر على تحمل مسؤولية ذاته.
هل أنت مصاب بالهشاشة النفسية أم لا ؟
اطرح على نفسك الأسئلة التالية وأجب عنها بصدق :
- هل أنت ممن يتصيدون أخطاء الآخرين؟
- ما مدى استيعابك لأخطاء الآخرين، حتى وإن ثبتت؟
- هل لديك القدرة على قبول الآخر بما فيه من عيوب؟
- هل أنت واثق من نفسك فيما يتعلق بحكم الآخرين عليك ؟
- هل تقوم بتحليل أفعال الآخرين حتى بعد انتهاء المواقف؟
تنشأ الهشاشة النفسية لعدة أسباب منها:
- لا شك أن البعد الروحي عن ممارسة العبادات وعن الإيمان التام بالدعم الإلهي يلعب دوراً بالغ الأثر في صلابة الفرد النفسية وفي قدرته على الاستعانة والمواجهة.
- عدم تحمل المسؤولية منذ الصغر حتى في أبسط الأمور والاعتماد على الغير فكما اسلفنا تلعب التنشئة البيئية والأسرية دوراً فيصلياً في صلابة الفرد النفسية أو هشاشته نفسياً…
- الاندماج التام بين الحياة الافتراضية وحياتنا الواقعية، فهذا الجيل يعيش اليوم في العالم الرقمي أكثر مما يعيش في الواقع ويتخاطب بالأجهزة ويحسن التواصل الافتراضي ولا يجيد التواصل المباشر وجهاً لوجه حتى في أبسط المواقف الحياتية أحياناً.
- تداخل المصطلحات مع بعضها البعض وعدم التفريق بينها فالمزاح أصبح تنمراً.
وهناك عدة طرق قد تساعدنا في التغلب على الهشاشة النفسية وما يعقبها من آثار وهي طرق سهلة وميسرة، ولكنها تحتاج إلى إرادة ورغبة…
- معرفة الذات: فمن الضروري أن يعرف الإنسان ذاته، ويعرف نقاط قوتها وضعفها، فالذات هي التي تواجه، ومن الضروري أن يكون الشخص مدركاً لإمكاناتها، وهذا الإدراك يجنب الشخص مأزق أن يكتشف ذاته أثناء المواجهة.
- مبدأ المواجهة الإيجابية بالحديث عما يؤلم الشخص مع صاحب الأمر لاستبعاد أي سوء فهم وتوضيح وجهات النظر وبذلك نكون قد ساعدنا أنفسنا بعدم استهلاكها بتلك الهشاشة.
- القدرة على تحمل المسؤولية: ما نلاحظه في الحياة، أن سن الطفولة أصبح متأخراً، فبعض الشباب لم يغادر الطفولة حتى وإن تجاوز عمره العشرين، فما زال يعتمد على والديه حتى سن الجامعة وما قبل التوظيف والذي قد يكون أيضاً ولي الأمر ساعياً له.
- اكتساب الخبرة والقدرة للتعامل مع الضغوطات والتحديات : فتكرار التعامل مع المواقف المختلفة، والمشاعر المؤلمة يدرب العقل أن الحياة كتاب كبير، ويحوي صفحات مبهجة وأخرى ليست كذلك، وأحياناً تأتينا الحياة ليس كما يجب، هذه الآلية النفسية تتيح للعقل ألا يسلط تركيزه على الأزمة القائمة فقط وإنما يجتهد للبحث عن مخرج سريع.
- الحفاظ على القرب من الله روحاً وسلوكاً: فمعظم الدراسات النفسية تؤكد وجود ارتباطات إيجابية بين الروحانية وبين جوانب الصحة العقلية، لذا يجب أن يعلم الشخص أن له رباً قوياً يسانده، ومن الواجب أن يكثر اللجوء إليه هذه الرؤية تشكل حاجزاً أمام الضعف النفسي والاكتئاب والانتحار.
- تعلم مهارة البحث عن حلول: فالبحث عن حل أثناء الأزمة، يصرف العقل والنفس نحو التغيير والسلوك الإيجابي.
ختاماً
إدراك أولياء الأمور أن تعرض الأبناء منذ الطفولة المبكرة لتجارب الفشل والإحباط المؤلمة سيلحق ضررًا دائمًا هو أمر ضار في حد ذاته، يحتاج البشر إلى تحديات وضغوط جسدية وعقلية وإلا فإننا نتدهور.
ومن المجدي أن يعيش الأبناء في الواقع مقننين الدخول إلى العالم الافتراضي، لصقل المهارات وتحمل أعباء المسؤولية ومواجهة المشاكل وتقبلها والتعامل معها.
آمنة الزعابي
اختصاصية نفسية
مدرب معتمد في التنمية البشرية من المجلس الكندي الأمريكي
كوتش لايف معتمد من الاتحاد الدولي للكوتشينج ICF