الإعاقة بغض النظر عن مسبباتها أو أنواعها أو توقيت حصولها أمر واقع لا مفر منه يرخي بظلاله وآثاره على الفرد والأسرة والمجتمع.. تلقت الأسرة النبأ بعد ولادة الطفل ونقل إليها خبر إعاقة ابنها بطريقة صحيحة أو خاطئة.. أو أن إعاقة الطفل لم تكن ظاهرة فلا تكتشفها الأسرة مبكراً.. أو أنها لم تتنبه لتأخر تطور ابنها،.. ومرت بعد معرفتها بإعاقته بالمراحل المعروفة التي تمر بها عادة؛.. الصدمة، الانكار، الاحساس بالذنب، التسويق الطبي ومن ثم التقبل والرضا والبحث عن الخدمات الملائمة.
والأسرة في أغلب هذه المراحل غير قادرة على التفكير السليم وبحاجة لمن يأخذ بيدها من خارج نطاق الأسرة الضيق لتجاوز هذه المراحل والوصول في أسرع وقت إلى الخدمات الملائمة وبالتالي زيادة فرص الابن ذي الإعاقة في العلاج والتعليم والتدريب والتأهيل والحياة الاجتماعية.
قد تمر الأسرة بكل هذه المراحل وتجتازها وتتعامل معها ولكنها ـ على الأقل وحتى الآن ـ لا تستطيع أن تتجاوز نظرة المجتمع القاصرة إلى هؤلاء الأبناء ذوي الإعاقة وحقهم في الحياة بكل جوانبها كغيرهم من الأطفال.. ليس فقط الأطفال من ذوي الإعاقة الذهنية.. بل باقي الأطفال من باقي الإعاقات وحتى من مختلف الأعمار.
الأسرة تكيفت والأمور تسير عادية جداً في البيت وفي المركز وحتى أكثر من عادية الأخوة مقتنعون بخصوصية أخيهم أو أختهم ويتقبلون الاختلاف ويتفهمونه ويتعاملون مع أخيهم تعاملاً راقياً وكذلك الأمر في أغلب المؤسسات التعليمية المتخصصة.. ولكن عندما نصل إلى خارج هاتين المؤسستين الحاضنتين تبدأ هذه النظرة بالظهور وينعكس هذا الأمر على سلوك الأهل الذين يعانون بصمت، وقد يعود بعضهم إلى دورة الإنكار الأولى وعدم التقبل، وبدون قصد منها تنساق الأسرة إلى تلك النظرة / الوصمة فتقف عائقاً بين ابنها ذي الإعاقة ومناحي الحياة الرحبة وتسهم من غير أن تدري في توسيع الهوة بينه وبين المجتمع بدل أن يتعاون الإثنان الأسرة والمجتمع في ردمها وتسويتها إلى غير رجعة.
لقد تصرفت الأسرة قبلها بشكل سليم وتصرف الأخوة بشكل سليم وكذلك المؤسسة المتخصصة ولكن الخطأ أتى من المجتمع الذي يتحمل وحده المسؤولية كاملة عن توسيع دائرة إقصاء وتهميش وعزل هؤلاء الأفراد وممارسة التمييز ضدهم وإلى حد ما تأليب ذويهم عليهم وحرف بوصلتهم عن الاتجاه السليم.
وهنا يصح القول إن المشكلات التي يتعرض لها الأشخاص ذوو الإعاقة ـ اجمالاً ـ لا يمكن أن تفسر بالإعاقة ذاتها وأنواعها وما ينجم عنها، بل بالطريقة التي ينظر بها المجتمع إلى الإعاقة والأشخاص ذوي الإعاقة؛.. إن تهميش واستبعاد هؤلاء الأشخاص عن مسار الحياة الطبيعية والحد من مشاركتهم ووضع العقبات والموانع الاجتماعية والبيئية التي تحول دون تفاعلهم مع المجتمع والنظرة السلبية المسبقة إليهم وعدم توفير التسهيلات والخدمات اللازمة لهم.. كل هذا يعزى وكما يقول عالم النفس الأمريكي (هانت) إلى فشل المجتمع في التسامح مع الأشخاص ذوي الإعاقة وحرمانهم بالتالي من المشاركة العادية في فعاليات وأنشطة وخبرات الحياة الاجتماعية اليومية.
إذن،.. يمكــن الاســتنتاج هنا أن المجتمع بكل مكونـاتـه؛ من مؤسســات وهيئــات وأفــراد فاعلين ومؤثرين لا يمكن له أبداً أن يقف متفرجاً أو على الحياد بل لا بد أن يكون منحازاً وايجابيا ومسؤولاً إلى أبعد الحدود عن هؤلاء الأشخاص الذين هم بحاجة إلى كل أنواع الدعم والمساندة من أجل ضمان حقوقهم وتمكينهم من العيش أسوة بغيرهم من غيرالمعاقين… وحتى تتضافر كل الجهود مخلصة للقضاء نهائياً على هذه النظرة السلبية القاصرة التي لا ترى الآخر ولا تتقبل الاختلافات والفروقات بين البشر.