إعداد: فادي محمد الدحدوح
تعتبر حرية الرأي والتعبير من الحقوق الأساسية التي لا يكاد أي دستور مكتوب يخلو من النصّ عليها صراحة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذا الحق يعتبر نواة وأساساً لجميع الحقوق الفكرية، ودونه لا يمكن الحديث عن قيام هذه الحقوق. ويسعى الإنسان بفطرته وطبعه الاجتماعي إلى تكوين نسق قيمي يلتزم به، ويمثل له إطاراً مرجعياً يحتكم إليه في كافة مواقفه وتصرفاته، بهدف تحقيق حالة من التوافق، والتكامل الاجتماعي. ويتلقى الإنسان القيم عبر مراحل حياته الاجتماعية المتعاقبة من خلال المؤسسات الرسمية وغير الرسمية والبيئات التربوية والثقافية، ومن أبرزها تأثيراً حديثاً منصات الإعلام الجديد.
اقرأ ايضا: حقّ الأشخاص ذوي الإعاقة في حريّة التّعبير والوصول إلى المعلومات
فقد أثبتت العديد من الدراسات العلمية التأثير المتزايد لوسائل الإعلام في توجيه منظومة الحياة داخل المجتمع، بحيث يمكن استخدامها في عملية التطور والبناء وخدمة أفراد المجتمع؛ كون الإعلام وأدواته المختلفة السلطة المؤثرة في المجتمع، كما يعتبر الدفاع إعلاميًّا عن قضية أو مبدأ أو رأي مسؤولية وطنية، كذلك يعتبر تصحيح صورة ما أمام الرأي العام المحلي والعالمي مسؤولية أيضًا، وتناول قضايا المجتمع المختلفة يجب أن يكون أداة فاعلة لممارسة الدبلوماسية والديمقراطية الشعبية والاتصال بالمؤسسات التي تضع السياسة أو تؤثر في عملية اتخاذ القرار، وتوجيه الرأي العام، ونقل المعلومات.
وتظل ممارسة ودعم حرية الرأي والتعبير الحلم المنشود إذا ما تحقق بصورة متكاملة، فإن ذلك يعكس بالضرورة طبيعة الحالة الحضارية داخل المجتمع.
تعد حرية الرأي والتعبير قضية محورية وجوهرية في حياة المجتمعات، وهذه القضية شغلت اهتمام الباحثين والمتخصصين في شتى المجالات، وبرزت وسائل الإعلام وخاصة الإعلام الجديد كواحدة من أهم قنوات التواصل حديثاً التي تسعى باستمرار إلى توسيع مساحات حرية الرأي والتعبير، وترتكز على المناقشات والمحاورات وتبادل الأفكار والقضايا المختلفة، وليس على فرض وجهة النظر الواحدة أو الرأي الواحد، لأن الهدف الأسمى للإعلام الجديد هو إحراز تقدم للإنسان وتمكينه من تحقيق حرياته وتحقيق العدالة.
وحرية الإعلام هي الأسلوب الأمثل لتحقيق حرية الإنسان وتوفير حياة كريمة وطيبة له، ومن الأمور التي تجب الإشارة إليها هنا الارتباط الوثيق بين الظاهرة الإعلامية والرأي العام، فوسائل الإعلام المختلفة، من صحف وإذاعة وتلفزيون وإعلام جديد، لها تأثير كبير في الجماهير وتوجيهها نحو الجهة التي تريدها. فضلًا عن ذلك، فإنها وثيقة الصلة ببناء المجتمع ككل، وتتأثر مباشرة بالأوضاع الثقافية والاجتماعية وبالتنظيمات السياسية والبنى الفكرية السائدة في المجتمع. وهذه العوامل تتدخل ليس في رسم السياسة الإعلامية، بل وفي تحديد الأهداف واختيار المادة الإعلامية.
تعد حرية الرأي والتعبير مسألة تتعلق بكيان الإنسان ذاته وبوجوده، فلكل إنسان رأي معين، بصرف النظر عن مدى أهمية ذلك الرأي، في قضية أو أكثر من القضايا التي تحيط به، وهذا الرأي يظل محدود القيمة أو الأثر ما لم تتح لصاحبه الفرصة لترجمته بأية وسيلة من وسائل التعبير، وعليه فإن حرية الرأي والتعبير الجامع الأمثل للعديد من الحقوق والحريات العامة، وفي كل ما يرتبط بهذه الحريات أو ما تشتمل عليه من حقوق أساسية عامة، كالحق في المعرفة وتلقي المعلومات، كما تأتي حرية الرأي والتعبير عنه استجابة طبيعية لحق الإنسان في البوح عما يجول في داخله من مشاعر وآراء وقيم وقناعات يؤمن بها، ودون ضمان حرية التعبير عن تلك المشاعر يتقلص الدور الفاعل بالمشاركة الإيجابية في بناء المجتمع وتطويره على مختلف الأصعدة. ومن الصعوبة بمكان تكوين رأي عام فعال من دون الاعتراف صراحة بحرية الرأي والتعبير عنه، وضمان ممارسته الفعلية.
ختاماً، تعتبر حرية الرأي والتعبير من أهم الحقوق الفكرية، بل تعد العمود الفقري لبقية الحقوق الأساسية، كما أن حرية الرأي والتعبير كحرية من الحريات الأساسية تشكل حجر الزاوية لبقية الحقوق والحريات التي تهدف لتحقيق تكامل شخصية الأفراد وتطويرها، ودون ضمان هذه الحرية والتمتع بها لا يمكن الحديث عن الحريات الفردية بشكل عام، والحريات الفكرية بشكل خاص، وهذه الأخيرة لا بد لها من وسائلها الخاصة ومظاهرها المميزة، وممارسة هذه الحرية وما ينبثق عنها من حقوق مشتقة ولازمة لها يتم من خلال ضمان حرية الرأي والتعبير في وسائل الإعلام المختلفة، والعمل في إطار مجتمع له مناعته الفكرية والقانونية، لتنتج لنا في نهاية المطاف مجموعة قيم ومفاهيم، تشكل جوهر الشورى والفكرة الديمقراطية ومحورها.
- مكان الإقامة: غزة – فلسطين
- رقم التواصل: 00970598283195
- البريد الالكتروني : [email protected]
- باحث فلسطيني من غزة
- خبير في البحث العلمي والدراسات
- أستاذ جامعي
- مؤلف في مناهج البحث العلمي
- ناشط ولديه مساهمات في العديد من المجلات والشبكات الالكترونية العربية