حتى لا ندخل في خصوصيات بعض المجتمعات التي اضطهدت المرأة بشكل عام بغض النظر عن إعاقتها من عدمها.. وحتى لا ندخل في جدل حول قضية لا ينبغي أن يدور حولها جدل حاد خصوصاً وأن شريعتنا الإسلامية حفظت للمرأة إنسانيتها واعطتها كامل حقوقها وكلفتها بكل الواجبات أسوة بالرجل بل وقدمتها عليه في أكثر من مجال، وإذا كان هناك من تمييز أو ظلم أحاق بها فسببه بعض الأنظمة الاجتماعية وعدم تقيدها بتعاليم الشريعة الإسلامية.
وعلى الرغم من أن المرأة في مجتمعاتنا المسلمة تستند على أرضية صلبة لممارسة حقوقها وإنسانيتها إلا أن الوضع يكاد يختلف كثيراً عندما تكون هذه المرأة معاقة بأي نوع من أنواع الإعاقة.. وهذا الاختلاف لا يقتصر على مرحلة عمرية معينة بل يمتد معها منذ طفولتها وحتى كهولتها لسبب بسيط هو أن المجتمع لم يرتق بشكل كاف في مواقفه تجاه الإعاقة سواء أكان صاحبها ذكراً أم أنثى إلا أنه قد يكون أقسى عندما يتعلق الأمر بالمرأة المعاقة، حيث تزداد القيود التي تكبلها وتقيد من حريتها وتمتهن إنسانيتها وتهدر حقوقها لا لشيء إلا لأنها أنثى معاقة.
وقد تأخذ هذه الممارسات أشكالاً عديدة متصلة تبدأ منذ ولادتها والرفض الذي يقابل به الوليد القادم حتى لو كان ذكراً معاقاً فما بالك إذا كان أنثى، وبعد اجتياز هذه المرحلة وتقبل الأسرة لوجود الطفل المعاق أو الطفلة المعاقة فإن فترة الخجل من وجود هذه الطفلة تطول أكثر مما لو كانت ذكراً، وهذا سينعكس بالتأكيد على فرصها وحظوظها في تلقي خدمات التدخل المبكر والتربية الخاصة.
ومن المؤكد أن هذا التأخير سينعكس على مدى تعاون الأسرة مع المؤسسة أو المركز حيث سيغدو التواصل أقل والمتابعة البيتية أقل على أساس اعتقاد خاطىء أن مستقبل هذه الفتاة قد حسم سلفاً وستقضي بقية حياتها بين جدران المنزل الأربعة.
وفي المقابل قد يهتم بعض الأهل بالذكر أكثر باعتبار أن فرصه في الحياة متاحة ولا خوف عليه فقد ينجح في تعليمه ويعمل ويتزوج ويكون أسرته الصغيرة.
التمييز المطبق على الفتاة المعاقة لن يقتصر على الطفولة المبكرة ـ كما قلنا ـ بل سيتعداه إلى مرحلة المراهقة والشباب وسيأخذ أشكالاً أكثر حدة فلا أحد يهتم بمشكلات هذه الفتاة ولا أحد يفكر بمستقبلها.. ومن هي تلك الفتاة المعاقة الجريئة التي ستتحدث عن طموحاتها في استكمال دراستها ـ التي لم تعد لها أصلاً بشكل جيد ـ وما بالك بحقها المشروع في الزواج وتكوين أسرة واثبات قدرتها على تحمل المسؤولية وتربية الأولاد!! وإذا وضعت جانباً أحلامها تلك من سيضمن لها حقها في العمل وممارسة حياة طبيعية بعيداً عن هواجس الأهل المبالغ فيها وخوفهم من تعرضها للاستغلال أو في أحسن الأحوال بعض الاحباطات التي ستواجهها من الآخرين أو بعض المواقف التي ستتعرض لها بسبب إعاقتها.
إن المعاهدة الدولية لحماية وتعزيز حقوق المعاقين وكرامتهم التي أقرت حديثاً لا توجد فيها مادة واحدة تشير إلى أن هذا الحق يمارسه الذكر وذاك تحرم منه الأنثى وكلها موجهة للمجتمعات من أجل كفالة تمتع الأشخاص المعاقين بشكل كامل وفعال بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
إن هذا الاجماع العالمي على احترام هذه الحقوق ليس في رأينا دخيلاً على ثقافتنا العربية والإسلامية التي تحترم الإنسان بغض النظر عن جنسه بل هي دافع إضافي للعمل من أجل إزالة كل مظاهر التمييز والحرمان التي يعاني منها الأشخاص المعاقون في بلداننا وخصوصاً النساء المعاقات واستبدال كل المفاهيم الجاهلية التي أحاطت بهن حتى بعد أن قضى عليها الإسلام إلى غير رجعة.