يغمرني الفرح دوماً حين تقع عيناي على أحد أبنائنا المعاقين خاصة الشبان منهم وهم يمارسون حياتهم الطبيعية ويقومون بأدوار اجتماعية فاعلة بل ويتفاعلون مع الحياة الاجتماعية وأحداثها وظروفها كأقرانهم ممن هم في مثل سنهم… لماذا أفرح لهم؟ ولماذا أهتم بهم؟ بل ولماذا هذا القلق عليهم؟ ببساطة أقول لأنني عشت همهم وأقلقني مستقبلهم ورأفت بحالهم وحال أسرهم مع أمنيتي أن لا أكون نرجسياً في هذا الطرح لكن هي مشاعري تدفقت عبر هذه الكلمات لتجد مكانها هنا، فالحياة هي حق لكل نفس خلقها الله وليست حكراً على جنس أو عرق معين والمساواة أمر مطلوب في كل الشرائع الدينية والأخلاقية والقانونية حتى يكون الفرد جزءاً من منظومة الكيان الاجتماعي وبالتالي يصبح فرداً فاعلاً له حقوق يجب أن يتمتع بها وعليه واجبات عليه أن يؤديها، ولكن هل سنحتوي هذه الفئة ونمد لها يداً حانيةً تأخذ بها إلى حياة سعيدة وهانئة بعيدةً عن الاستحقار والاستخفاف بحالها بل حتى بعيدة عن العاطفة المغلفة بالكذب.
ذات يوم بينما كنت في أحد المراكز التجارية وإذ بشاب معاق عقلياً من طلابنا يتصفح صحيفة وتحديداً الصفحة الرياضية وبعد أن سلم علي وبادلته السلام أخذت أجاذبه أطراف الحديث وأسأله عما يقرأ.. وإذ به يحدثني عن أمور ساخنة في الساحة الرياضية أدركت أنه يتعايش مع حياتنا كما هم أقرانه.. غادرت المكان وأنا كلي فخر بهذا الشاب الذي أصبح معتمداً على ذاته ومتفاعلاً مع محيطه الاجتماعي.
معاق آخر كان يخّدم على ضيوف أبيه وآخر يقود سيارته برفقة أسرته وثالث يجر عربة يحمل عليها أغراض ومشتريات الناس، إنهم بالفعل نماذج رائعة متفاعلة مع مجتمعها وحياتها الاجتماعية ولا يوجد ما يعيقها عن ذلك إلا نظرات المجتمع الجارحة في بعض الأحيان بل وقد تكون ردود الأفعال العكسية ـ إما بالاستهزاء بهم أو الضحك عليهم أو الحط من شأنهم وقدرهم ومكانتهم ـ هي ما يحبطهم ويعيقهم عن الحياة الاجتماعية المثلى حتى أن البعض منهم يدرك تلك الردود العكسية السلبية من أفراد المجتمع وقد ينأى بنفسه عن الاختلاط والمشاركة في الفعاليات الاجتماعية أو الملتقيات الأسرية.
إذن، هم يعون ويدركون معنى الحياة والتفاعل مع المحيط الاجتماعي وحتى التفاعل مع أحداثه المتلاحقة. لذلك فإن الدمج التربوي لهذه الفئة هو واحد من أهم وأنجح الأساليب التربوية الحديثة حيث يضع مكانة للمعاق في مجتمعه من خلال تفاعله مع مجتمع المدرسة ويمتد به إلى المجتمع الخارجي من خلال المشاركة في الفعاليات التي تشارك بها مدرسته وهذا يؤدي بدوره إلى أن يعمل المعاق على محاكاة سلوكيات زملائه بل حتى منافستهم في نشاطاتهم المختلفة، عندها يشعر بكيانه وذاته وحتى وجوده في مجتمعه وأنه جزء من الكيان الاجتماعي.
من هنا أرى ضرورة وضع استراتيجيات في النواحي التعليمية والتربوية لصياغة مناهج هذه الفئة بأن تركز على الجوانب الوظيفية وتربطها بالحياة الاجتماعية الضرورية لهذا الفرد وتنمية سلوكه وبناء شخصيته بأن تجعله أكثر مبادرة في التفاعل مع محيطه الذي يعيش فيه وخاصة للشبان المعاقين عقلياً في مرحلتي المتوسطة والثانوية لأنهم بالفعل قادرون على التفاعل مع محيطهم الاجتماعي متى توفرت لهم البيئة الخصبة ووسائل تحقيقها، وهذا يقودنا إلى قناعة تامة بأن أغلب أفراد هذه الفئة قادرون بإذن الله مستقبلاً على أن يكونوا فاعلين في مجتمعهم وليسوا قوة استهلاكية أو عبئاً اجتماعياً أو أسرياً، وهناك دور آخر يجب ألا نغفله وهو سن قوانين وتشريعات إلزامية بتوظيف هذه الفئة حتى نضمن لها لقمة عيش هنية بعيدة عن المنغصات عندها سيشعرون أنهم معنا ومنا وفي حياتنا.