إعداد : الدكتور علي صابر محمد
توصي كل المؤسسات الطبية بتشجيع الأمهات على الرضاعة الطبيعية لأطفالهن، نظراً للفوائد الصحية للأمهات والأطفال، ورغم أن الرضاعة تمارس بشكل فطري، إلا أن بعض الأمهات يواجهن تحديات وصعوبات في هذه الممارسة، وغنيٌّ عن البيان احتمال تعرض الأمهات من ذوي اضطراب طيف التوحد لعوائق أكثر من غيرهن في هذا المجال.
وقد راجع الباحثون ثمان أوراق علمية و14 منشوراً حول هذه الخبرة الحياتية لدى تلك الأمهات فوجدوا أنهنّ يرغبن في الرضاعة الطبيعية لكهنا صعبت عليهن لثلاثة أسباب :
- عدم وجود خدمات الأمومة وتغذية الأطفال وعدم المساعدة للأمهات من ذوات اضطراب طيف التوحد عندما يحتجن ذلك.
- التحدي المصاحب لتحمل الأم ذات اضطراب طيف التوحد هذا العبء أو ما يصاحب ذلك من إرهاق وفقدان السيطرة على روتين الحياة وقلة المساندة المجتمعية.
- ما يصاحب الرضاعة الطبيعية لدى الأم ذات اضطراب طيف التوحد من تحديات كتحدي الإحساس وملامسة الطفل لها والألم الذي قد لا تتحمله.
ورغم هذه الصعوبات فإن الكثير من الأمهات قد قرأن بغزارة عن الرضاعة الطبيعية وقررن ممارستها ووجدن ذلك خبرة إيجابية واعتبرن الرضاعة الصناعية خياراً ثانياً.
نعرف أن نسبة انتشار اضطراب طيف التوحد تتراوح بين ١-٢ % من الناس، وأن تشخيص البالغين من ذوي اضطراب طيف التوحد أصبح شائعاً بعد تعذر ذلك وهم في سن الطفولة، وأن ٢٥ % من أمهات الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد لديهن سمات اضطراب طيف “التوحد”، ولكن الأبحاث قليلة عن الخبرات الحياتية للبالغين من ذوي اضطراب طيف التوحد بما في ذلك خبرات الأمومة.
وقد ألقت بعض الدراسات الحديثة الضوء على إحساس الأمهات من ذوات اضطراب طيف التوحد بعدم فهم الاختصاصيين لاحتياجاتهن ووضعهن وعدم معرفة وسيلة البحث عن النصيحة فيما يخص خبرة الأمومة، وإذا كانت نسبة الأمهات اللاتي يجدن صعوبة في الرضاعة الطبيعية شبه متساوية بين ذوات اضطراب طيف التوحد وغيرهن إلا أن فهم الحواجز التي تحول بينهن وبين الرضاعة الطبيعية واحتياجاتهن الخاصة يمثل أهمية قصوى.
فالعديد من جوانب الرضاعة الطبيعية تعتبر تحديات للأم ذات اضطراب طيف التوحد لأنها بجاجة لتقارب جسدي كبير وخبرات حسية وتركيز من الأم، وهذا قد يزيد من احتمال رفض الرضاعة الطبيعية وإبعاد الطفل عن الثدي، بالإضافة لعدم توقع ضغط الاستجابة لإشارات الطفل عند الحاجة للرضاعة.
فرغم وجود بعض التقارير عن أطباء يساندون الأمهات ذوات اضطراب طيف التوحد بشكل إيجابي إلا أن معظم الأطباء لا يفهمون بشكل جيد كيف يعيش شخص من ذوي اضطراب طيف التوحد تجارب مثل الاختلاف الحسي أو التعبير عن الألم والتواصل مع الاَخرين.
كذلك فإن خدمات الأمومة لم يتم توفيقها مع احتياجات الأمهات ذوات اضطراب طيف التوحد لدرجة إحساسهن بتعامل لا إنساني أو تنمر من قبل بعض العاملين، وعدم احترام احتياجاتهن الحسية، مثل ضرورة الابتعاد قليلاً عن ملامستهن، وعدم لمسهن دون إذن مسبق وواضح، ومراعاة عدم إيلامهن أثناء الفحص الطبي وإيضاح المطلوب أثناء اللقاء وعدم زيارتهن في غير الموعد المحدد.
إحدى عيوب خدمات الأمومة تمثلت في التواصل بصيغة تستعمل مع الأمهات من غير ذوات اضطراب طيف التوحد، مما يؤدي إلى سوء فهم معاني الكلمات من قبل الأمهات ذوات اضطراب طيف التوحد ومن أمثلة ذلك توجيه أسئلة غير محددة مثل (كيف حالك؟) أو عدم كفاية التعليمات المكتوبة.
وعبّرت كثير من الأمهات عن تخوفهن من أخذ الطفل إلى دور رعاية بعيداً عنهن، أو عدم سماع شكواهن أو أنهن مضطرات لإخفاء تشخيص اضطراب طيف التوحد أو حتى تجنب التعامل مع مقدمي خدمات الأمومة.
– أما عن تجربة الأمومة نفسها فقد وصفتها الأمهات بالمرهقة لقلة ساعات النوم ، متحدثات عن العبء الحسّي للطفل، علاوة على القلق الناجم عن تعذر الفهم والاستجابة لإيماءاته.
ومن أكبر التحديات التي تواجه الأمهات ذوات اضطراب طيف التوحد ارتباك الروتين الذي اعتادت عليه الأم نتيجة عدم انتظام نوم الطفل واحتياجاته المتغيرة غير المتوقعة، لهذا عمدت بعض الأمهات إلى اعتماد روتين يخص نوم الطفل ورضاعته.
أما عن المساندة الاجتماعية فقد عبرت الأمهات عن افتقادها، حتى عندما قدمت لهن الجهات الرسمية مساندة لم تكن متوافقة مع احتياجات الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد، وحتى بالنسبةِ للأسر والأصدقاء، معظمهم كان غير مساند ومتفهم، وشعرت معظم الأمهات بعدم القدرة على تكوين صداقات وعلاقات مع أمهات أخريات من ذوات اضطراب طيف التوحد وبالتالي فإنهن يشعرن بالوحدة.
وعن الرضاعة الطبيعية، كان لدى الأمهات معلومات كثيرة ولكن تحويلها إلى مهارات عملية كان صعباً، ومن إيجابيات الرضاعة الطبيعية التي ذكرتها الأمهات سهولة إسكات الطفل الباكي وزيادة الارتباط بين الأم والطفل وزيادة إحساس الشعور بشخصية الأم.
من جهة أخرى وجدت العديد من الأمهات أن الرضاعة الطبيعية صعبة لعدة أسباب: الألم، فرط الحساسية للتلامس، ومتاعب العض من الطفل.
وعن الرضاعة الصناعية تحدثت الأمهات عن سهولتها وإمكانية قيام غيرهن بإرضاع الطفل وهن في رحاب النوم أو مشغولات، وعلى صعيدٍ آخر كان ينتابهنّ القلق حول سلامة إعداد الزجاجات، والكمية التي يتناولها الطفل أثناء الرضاعة.
وبناءً على المعلومات السابقة يوصى بأن يكون تواصل الفرق الطبية والمساندة مع الأمهات ذوات اضطراب طيف التوحد واضحاً ومباشراً ومحدداً، تتبعه معلومات مكتوبة، ولا يجب لمس الأمهات أثناء توجيه النصائح والتدريب على الرضاعة إلا بعد موافقة واضحة تماماً من الأم، كما لا بد أن تتلقى الفرق الطبية تدريبات كافية، وتزود بالمعلومات الوافية حول الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد، واحتياجاتهم وسماتهم.
المراجع
- Hampton S etal (2021).Qualitative explorating of autistic mothers experiences childbirth and post-natal experiences. Autism , sep.2021;26(5)
- Aimee Grant etal(2022).Autistic women views and experiences of infant feeding : A systematic review of qualitative evidence Autism , Aug 2022;25(6).
أخصائى الأمراض النفسية والعصبية بمستشفى آل سليمان وشركة كهرباء مصر
طبيب جمعية ومركز التأهيل الشامل للمعاقين بمحافظة بورسعيد
مستشار إعاقات الطفولة لجمعية نور الرحمن
صاحب مدونة ( إطلالة على التوحد ),
كاتب ومؤلف بمجلة وكتاب المنال الصادر عن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
كاتب بمجلة أكاديمية التربية الخاصة السعودية