في القرن التاسع عشر عرف عالم الانثروبولوجي ادوارد تايلر الحضارة على أنها ذلك الكل المعقد الذي يضم المعارف والمعتقدات، الأدب، الأخلاق، التقاليد، العادات والتقاليد، وفي أيامنا هذه تتنافس الأمم لتحقيق التفوق الرياضي الذي يعد واحداً من عناصر التفوق الحضاري، فالعلاقات المشتركة والمتبادلة بين الانسان والرياضة تدخل ضمن الخصوصيات الثقافية والتقدم الانساني، وتعد الرياضة إحدى المؤسسات الاجتماعية المتميزة التي تمتلك قوة التأثير في الحلقات الاجتماعية المختلفة، وعلى الصعيد العالمي فإن الفعاليات الرياضية سواء كانت للأشخاص ذوي الإعاقة أم للناس عامة تسهم في توثيق عرى الصداقة والتفاهم الدولي.
وفي ظروف الحياة الجديدة للإنسان في ظل الثورة العلمية التقنية أصبح للرياضة دور هام في إنهاء التوترات النفسية العالية، فالجهد البدني لانسان العصر محدود مقارنة بحالات التوتر العصبي والجهد الفكري والشد النفسي المعاش، وهنا نجد الرياضة تؤدي الدور الذي يؤديه الفن بخلق واقع جديد مغاير للواقع اليومي الاعتيادي ومعوض لما هو مفقود فيه، يقول نجيب محفوظ: (لا مغالاة إذا ألحقنا الرياضة بالفنون الجميلة، فهي تربية للجسم الانساني وبالتالي للعقل والروح).
كما تسهم الرياضة في تعويد الأفراد العمل ضمن جماعات والتدرب على القيادة وتنمية القوة والاحتمال والجرأة والإقدام والمقاومة، وتعزز التكيف الاجتماعي والعاطفي والنفسي مع المجتمع، وتؤدي إلى قضاء أوقات الفراغ بما هو مفيد، فالرياضة ليست مجرد تدريبات بدنية لكنها مؤسسة اجتماعية تؤدي عدداً من الوظائف فإضافة للوظيفة النفسية الاجتماعية للرياضة هناك الوظيفة التربوية، كما أن الحالة الجماعية للرياضة جزء من الوظيفة التكاملية في المجتمع حيث تمثل المجاميع الرياضية التشكيلات الاجتماعية لمجتمع كامل أو أمة، وبما أن نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة في أي مجتمع تبلغ 10% فإن رياضة الأشخاص ذوي الإعاقة تصبح ضرورة اجتماعية، وأثبتت الدراسات والأبحاث أنه إذا ما أحسن توجيه وتدريب الأشخاص ذوي الإعاقة وبذلت الجهود الصادقة لتمرينهم فسوف يصبحون أكثر انتاجاً وأقل عرضة للإصابات من غيرهم لأنهم أكثر حرصاً وأشد حذراً.
يعود الاهتمام العالمي برياضات الأشخاص ذوي الإعاقة إلى عام 1922 عندما أنشئ أول ناد رياضي لمصابي الحرب في انكلترا بعد أن خلفت الحرب العالمية الأولى أعداداً كبيرة من الأشخاص ذوي الإعاقة، والفضل في إنشاء النادي يعود للجراح الانكليزي السير لودنج جوتمان الاختصاصي بإصابات العمود الفقري في مستشفى استوك مانديفل وهي المدينة التي استضافت أول بطولة تنافسية للمعاقين عام 1948 والتي قال عنها لودنج جوتمان: (إن هدف ألعاب ستوك ماندفيل انتظام المشلولين من رجال ونساء العالم في حركة رياضية عالمية، وروح الرياضة الحقة التي تسودهم اليوم سوف تعطي الأمل والإلهام لآلاف المشلولين الذين وعبر الرياضة سيسعون لتحقيق الصداقة والتفاهم بين الأمم).
ومن الناحية الحقوقية شهدت الدورة العشرين المنعقدة بباريس بتاريخ 21 نوفمبر 1978 للمؤتمر العام لمنظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) إعلان الميثاق الدولي للتربية البدنية والرياضية وينص على أن ممارسة الرياضة والتربية البدنية حق أساسي لكل انسان، وتذكر الفقرة الثالثة من المادة الأولى فيه: (يجب اتاحة فرص خاصة للشباب ـ بمن فيهم الأطفال الذين لم يبلغوا السن المدرسية ـ والشيوخ والأشخاص ذوي الإعاقة، لتنمية شخصياتهم عن طريق برامج التربية البدنية والرياضة الملائمة لاحتياجاتهم).
ومن المهم بمكان أن لا تخرج الرياضة عن أهدافها الحقيقية لتصبح سلعة تجارية وأداة سياسية، وعليه جاء إعلان شعار الأولمبياد الخاص (دعني أفوز فإن لم أستطع دعني أكن شجاعاً في المحاولة) تجسيداً لما يجب أن يكون حاضراً في أذهاننا عند الحديث عن رياضات الأشخاص ذوي الإعاقة في الأولمبياد الخاص، وكذلك الأمر بالنسبة لأولمبياد الأشخاص ذوي الإعاقة (البارااولمبيك)، وقريباً من هذا المعنى يقول ناردو فيسانتي (أستاذ علم الأحياء ـ كلية العلوم جامعة مارسيليا) في تقديمه لكتاب (رياضات السلام) لمؤلفه الدكتور ديف انجلوز: (إن الأنشطة الرياضية ليست حكراً على سن معينة كما هو سائد الآن، كما أنها ليست حكراً على نخبة معينة لإظهار تفوق الأمم وإرضاء كبريائها والرياضة ذات الطابع السوبر تنافسي لا تؤدي في الواقع أهدافها المرجوة رغم أن النخبة التي تمارسها تتقاضى مبالغ خيالية، وبالتالي تستهزئ بالناس الذين قدمت لهم عروضاً، كما أن هذه الرياضات التي تجبر اللاعبين على استعمال الأقراص ليزدادوا قوة تؤدي بهم في النهاية إلى الهلاك، بينما تعني الرياضة الحرية، حرية اختيار النشاط الذي نحبه وفيما نشاء وفي أي مكان).