ترتبط الرُهابات والمخاوف (الفوبيات) في غالب الحالات بالخبرات المؤلمة المباشرة كالخوف من الوحدة والظلام والحشرات والحيوانات ووسائل المواصلات والمرض والموت وغير ذلك، ثم تتجاوز تلك الخبرات المترسخة في أعماق اللاشعور عتبة الواقع لتتحول إلى تصورات وخيالات لأمور وهمية غير واقعية وغير مرئية.
وبديهي ان ندرك أن تزايد المخاوف سيؤدي بشكل حتمي إلى القلق باعتباره استجابة وتجاوز لعتبة الخوف المستمر والمتكرر، ويصعب التمييز بين الخوف والقلق في كثير من الحالات لأن كلاهما حالة انفعالية تنطوي على توتر داخلي والفرق بينهما أن الخوف خارجي في حين أن القلق داخلي ينشأ عن جملة من المخاوف.
والقلق سمة إنسانية بيد أنه في حال استمراره وتكراره يتحول إلى ظاهرة مرضية مضنية، ويُقال عن عصرنا الحالي بأنه عصر القلق بسبب تزايد الضغوط والمسؤوليات وفقدان التوازن بين الإمكانيات المتوافرة والحاجات الملحة التي كانت في الماضي بمستوى الكماليات وغدت حالياً من الضروريات الملحة، كما يمكن أن تنتاب الإنسان المعاني للقلق المستمر حالة من الاكتئاب نتيجة للتحديات الجديدة المنتشرة في العالم والخلل المتنامي في الكيان الاجتماعي والاقتصادي العالمي والإقليمي وانتشار الاضطرابات والفتن والحروب وضعف النظم التربوية في البيت والمدرسة وأنظمة الرعاية الاجتماعية واضطراب سوق العمل وتزايد البطالة وفقدان الثقة بالمستقبل. وتتعدد مصادر الخوف والرعب والهلع سواء من غائلة الأيام أم من خطر خارجي أم من اعتداء يتوقعه أو خطر محدق به.
ويتسنى للفرد بوعيه وشعوره وإحساسه إدراك أن بعض المخاوف عارضة ولا قيمة لها ولا مبرر للارتباك منها بيد أن ضعف السيطرة وعدم توافر الدوافع الذاتية للتخلص من بواعثها بوعي وإدراك سيكون لها آثارها البالغة والعميقة على الأفراد ذوي الشخصيات المريضة والهشة من الذين لا يملكون القدرة على الاتزان والصحة النفسية والتكيف، كما يؤدي القلق المتعدد الأسباب والعوامل إلى حالة من الأسى والحزن والألم والشعور بالهوان والضعف والخذلان وبخاصة عندما تتزايد الموجات العاتية من الرعب والهلع والفزع بسبب الاضطرابات والحروب التي طال أمدها وما أوجدته من قتل ودمار وتهجير، حيث يغدو الفرد في تلك اللحظات وكأن كل شيء خارج إرادته وسلطته وسيطرته بسبب الاختلال في إفراز الأدرنالين والغدتين الدرقية والنخامية.
والقلق معولٌ فاعلٌ في تهديم شخصية الإنسان وإعاقة تنميتها وبنائها لتكون متوازنة وسوية ومتمتعة بالصحة النفسية والتكيف الطبيعي، وبغية التخفيف من القلق والآثار المصاحبة له فإنه من المناسب تناول بعض الأدوية المضادة للخوف والقلق والاكتئاب مع الدعم والمساندة النفسية والاجتماعية والحوار والمحادثة مع المحيطين وأن يتخلى المصاب بالقلق عن الأفكار غير العقلانية باعتبارها المعزز المباشر للقلق وذلك لوقايته من حصول بعض المضاعفات وتفادي وقوعه فريسة للاكتئاب الحاد.
الدكتور فائز شالاتي
سابقاً، عضو اللجنة العلمية للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم