حين نقرأ هذا العنوان يبدو إلينا المعنى واضحاً، والمقصود ما قدمته السينما من أفلام تتعلق بالإعاقة والأشخاص ذوي الإعاقة، بشكل مباشر أو غير مباشر. وهذا العنوان العريض (السينما والإعاقة) الذي سبق أن كان موضوعاً لملتقى سبق لمدينة الشارقة للخدمات الانسانية أن نظمته بمناسبة دخول مجلة المنال عامها الجديد، يطرح في عقولنا أسئلة كثيرة، والأهم أنه يلفتنا إلى نقاط أساسية غابت عنا ولم نتوقف عندها من قريب ولا من بعيد سواء في المهرجانات السينمائية (وما أكثرها)! أم في الندوات والأبحاث واللقاءات التي يناقش فيها أهل الفن السابع والنقاد والطلاب وأصحاب الاختصاص شؤون السينما وقضاياها. مع العلم ان كل الفنانين وبلا استثناء تمنوا في السر والعلن، الحصول على دور (صعب) وتركيبة (معقدة) كما يسمونها في عالم التمثيل، لإظهار قدراتهم وكل طاقاتهم في الأداء، وقد تحققت هذه الأمنية لبعضهم دون الآخر. ومع ذلك فقد فشل معظمهم في ايصال الرسالة الصحيحة والسليمة عن مفهوم الإعاقة وتقديم صورة حقيقية وفعلية عن قدرات ومؤهلات الإنسان الذي أصيب بإعاقة معينة مهما كان نوعها. وغالباً ما تأتي هذه الصورة قاتمة على الشاشة، مليئة بالحزن والمآسي و(الشفقة) والبؤس، بل تتحول أحياناً كثيرة إلى نهاية مأساوية لقصص كانت في البداية سعيدة، إلى أن يصاب أحد الأبطال بإعاقة. إلى جانب ما تناولته الشاشتان الكبيرة والصغيرة من حكايات عن استغلال يمكن أن يرتكبه الناس في حق الأشخاص ذوي الإعاقة.
ولعلني اليوم أذهب إلى قلب العنوان لأقرأه بطريقة معاكسة وأتوقف عند (إعاقة السينما) وعجزها أمام هؤلاء الأشخاص الذين أثبتوا أنهم متفوقون بأشياء كثيرة على الناس وأهل الفن. وقد عصي فهمهم من قبل كتّاب السيناريو والمخرجين ومعظم إن لم نقل كل صناع السينما في العالم العربي. وفي حين يذهب الأشخاص ذوو الإعاقة إلى أبعد حدود العلم والمعرفة في سبيل التقدم واستخراج كل طاقاتهم وإثبات الذات في صميم المجتمع السليم، نقف نحن أمام إعاقتهم وكفى. فإذا نحن محدودو الأفق والنظر، هم يسيرون بكرسيهم أو عكازهم إلى الأمام ونحن مسمرون في أماكننا (مشلولو) الحركة، نعجز عن رؤية حقيقتهم ومخاطبتهم وسماع أصواتهم، ونقول إنهم عمي وصم وبكم!
أفلام كثيرة تحدثت عنهم، لكنها لم تخاطبهم. حتى المسلسلات عجزت عن تحقيق أي نجاح في هذا المجال. فالمسلسل الذي يحمل نظرة تفاؤلية، ينتهي بشفاء البطل ذي الإعاقة، على عكس المسلسل الذي يحمل نظرة تشاؤمية فتكون الخاتمة مأساة بإصابة أحد الأبطال بإعاقة ما. وكأن الإعاقة ليست واقعاً يمكن أن نتعامل معه منذ الولادة وحتى الممات، وعلينا أن نتأقلم مع وجوده ونحاول أن نكتشفه لنرى الأمل فيه لا الألم فحسب. وإذا عدنا بالذاكرة السينمائية إلى الوراء إلى أفلام (باب الحديد) و(الصرخة) مثلاً، نجدها تقدم نماذج مليئة بالعقد النفسية والأحقاد على المجتمع والأشخاص غير ذوي الإعاقة، ليخرج منها المشاهد وقد حمل في نفسه كماً كبيراً من الاشمئزاز يمنعه من معاودة مشاهدة هذا الفيلم أو غيره من هذه النوعية.
فمتى ينتهي زمن الإعاقة السينمائية والتلفزيونية، لننتقل إلى فن الإعاقة وبطولات المعاقين في العالم العربي؟
لبنانية مصرية
متزوجة من محمود حسونة
درست الإعلام – الجامعة اللبنانية بيروت
كاتبة صحافية وناقدة
تكتب أعمدة رأي أسبوعية في جريدة الخليج الإماراتية منها عين على الفضائيات.
صدر لها كتابان: (آسفين يا مصر) و (خربشات الحب).