لا نبالغ لو قلنا إننا لم نتوقف منذ بدايات عملنا وحتى اليوم عن التحدث عن الإعاقة وأصحابها.. لم ندخر فرصة أو مناسبة أو نشاطاً إلا وغدا منبراً للتعريف بقدراتهم الحقيقية وإمكاناتهم والسعي إلى دمجهم مع أقرانهم، وظفنا فيه أفضل طاقاتنا لإزالة أو تصويب أي فهم خاطئ عنهم أو مبالغة أو خرافة قد تنسب إليهم.. وحرصنا دائماً على حفظ كرامتهم وكرامة ذويهم واستخدمنا في وصفهم وتسميتهم المسميات والمصطلحات اللائقة والدقيقة.
لقد جعلنا التوعية بالإعاقة وبقدرات أصحابها الحقيقية على رأس أهدافنا الاستراتيجية وفي صلب رؤيتنا ورسالتنا التي تنص على العمل معاً للحد من أسباب الإعاقة بالتدخل المبكر والتوعية المجتمعية، ولم نفوت تجمعاً أو لقاء إلا ووظفناه من أجل حشد طاقات ذويهم وتأطيرها وتوظيفها التوظيف الأمثل للتعريف بإعاقات أبنائهم ومجالات تميزهم وتفردهم فشكلنا لذلك مجالس لأمهاتهم وآبائهم، إخوتهم وأصدقائهم، وطورنا مبدأ المناصرة الذاتية وفعلناه وضمناه في رؤيتنا بأن نكون مؤسسة رائدة في مناصرة واحتواء وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة، وحرصنا على مواكبة أحدث التوجهات العالمية وأفضل الممارسات في كل ما يخص مجال الأشخاص ذوي الإعاقة ومنها الأجندة العالمية لأهداف التنمية المستدامة بما تتضمنه من معايير ومؤشرات وأرضيات الحماية الاجتماعية وبنود المعاهدة الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
وها نحن في مخيم الأمل التاسع والعشرين في الشارقة نؤكد على توجهنا في التوعية بالإعاقة ليس فقط بالتحدث عنها مع الأسر الصغيرة والكبيرة التي تحتضن بين أبنائها شخصاً من ذوي الإعاقة بل بتوسيع مجال التوعية والتحدث عن الإعاقة ليشمل الأسر التي لا تضم بين أفرادها شخصاً ذا إعاقة ولتشمل الدعوة للتحدث أفراد المجتمع كافة الذين سيقابلون في كثير من مواقف حياتهم أشخاصاً من ذوي الإعاقة أطفالاً أو كباراً في السن؛
… فعلى الأسرة التي تحتضن بين أفرادها شخصاً من ذوي الإعاقة أن تتحدث معه عن إعاقته باللغة التي يفهمها والتي تتناسب مع عمره الزمني والعقلي، وعليها أن تعرفه بقدراته وكيف يستفيد منها ويوظفها في تحسين أدائه وتلبية احتياجاته، وعليها أن تدربه على كيفية التعامل مع الآخرين سواء من ينظرون إليه باستغراب فيتحاشونه أو الذين يبدون تعاطفهم معه فيحاولون مساعدته، وعليها أن تعلمه متى يعتمد على نفسه ومتى يستعين بهم، وأن تشجعه على بناء علاقات إيجابية مع أقرانه من ذوي الإعاقة، وأن تعلمه أساسيات الحوار مع الآخرين لكسبهم والحصول على تفهمهم أو دعمهم.
أما باقي الأسر التي لا تضم بين أفرادها اشخاصاً من ذوي الإعاقة إعاقة فعليها أن تتحدث مع أبنائها وأن تشبع فضولهم حول الإعاقة بطريقة علمية مبسطة توضح لهم فيها أسباب الإعاقة وتقرب مسألة التنوع والاختلاف من أذهانهم، وتركز على التفهم والسؤال والاستفسار بدل التحديق والاستغراب والابتعاد عن الشخص ذي الإعاقة، ولا مانع من أن تشجع الأسرة طفلها على الاقتراب من هذا الشخص والتحدث معه والتعرف إليه والتركيز على ما هو مشترك بينهما دون حكم مسبق أو تهيب، لأن هذا التقرب الودي سيقود بالضرورة إلى معرفة سبب إعاقته وطبيعتها وكيفية التعامل معها.
وعلى باقي فئات المجتمع بمؤسساته وأفراده اختصاصيين وغير اختصاصيين.. أن يقدموا القدوة والمثال عند طرح قضايا الإعاقة والتحدث عن الأشخاص ذوي الإعاقة فلا يستخدموا عبارات قديمة مهينة ولا يقدموا وصفهم على إنسانيتهم فتقول فلان (مشلول) أو (متخلف عقلياً) أو (متوحد) أو (منغولي) بل الأصح القول: (فلان لديه شلل) أو (من ذوي الإعاقة الذهنية) أو (لديه اضطراب طيف التوحد) أو (ممن لديهم متلازمة داون)، ولا تصف في المقابل الأطفال من غير ذوي الإعاقة بأنهم (طبيعيون) أو (سليمون) فهذا يوحي بأن الأطفال ذوي الإعاقة غير طبيعيين وغير سليمين.
إن استخدامنا للمصطلحات الحديثة التي تحفظ كرامة الأشخاص ذوي الإعاقة وذويهم توجه ثابت لدينا ليس فقط لالتزامنا بالاتفاقيات الدولية ولكنه أيضاً نابع من احترامنا لاختلاف الثقافات وقناعتنا بضرورة تغيير المصطلحات باعتبار ذلك واجب لا تفضّل طالما أن الهدف واحد.
إن عملية التوعية بالإعاقة لا يمكن أن تتوقف ولا يمكن اعتبارها ناجزة مهما بذلنا من جهود، ما لم نتخطاها إلى تفعيل وتنفيذ ما ندعو إليه ووضع اللوائح والإجراءات الضرورية لتنفيذ مضامين هذه العملية بشكل فعلي.. ولا يغيب عن بالنا أبداً أن الإعاقة ليست إعاقة الجسد أو أي من وظائفه، بل إن المجتمع هو العامل المشترك الرئيسي في إعاقة البشر عندما يفشل هذا المجتمع في الاهتمام بجميع أبنائه واحتوائهم بغض النظر عن تنوعهم واختلافاتهم أو فروقهم الفردية.
يشاركنا في هذا الجهد عدد كبير ممن تطوعوا ويتطوعون في مخيم الأمل بالشارقة وكل من قدم الدعم والمساندة لاستمرار هذا الحدث وتطوره، وهي مناسبة نتوجه فيها بالشكر والتقدير لكل متطوع أسهم بجهده ووقته ولكل داعم وراع أسهم في توفير متطلباته، ونخص بالشكر الجزيل كل رعاة مخيم الأمل؛ شركاء ورعاة رئيسيين وفرعيين ومساهمين ورعاة إعلاميين ولكل المؤسسات الحكومية والخاصة التي كان لإسهامها الأثر الكبير في نجاح هذا الجهد.
فلنتحدث جميعنا حول الإعاقة كل من موقعه؛ أسراً وأفراداً ومؤسسات