دولة الإمارات العربية المتحدة من الدول المعدودة التي تحترم إنسانها وتضعه في قمة أولوياتها، وكذلك هي إمارات الدولة كافة، وإمارة الشارقة ـ على سبيل المثال ـ وفرت لمواطنها كل ما يحتاجه ويطمح إليه.. نقّل نظرك حيث شئت تجد صروحاً تعلو هنا وهناك.. مساجد ومراكز دينية، جامعات ومعاهد ومدارس ومراكز ثقافية ومكتبات، مستشفيات ومتاحف ومراكز للشباب والناشئة، منشآت ونواد رياضية، مراكز ومؤسسات خاصة وجمعيات خيرية وأهلية.. بنية تحتية وخدمات في غاية الرقي والتقدم،. وطرقات نظيفة واسعة ومساحات خضراء يانعة تسر الناظرين.. وغيرها الكثير الكثير لا يتسع المجال لذكره، وليس المطلوب من ابن هذا البلد ـ وحتى المقيم على أرضها الطيبة ـ أية تبعة سوى أن يحسن الاستفادة منها وأن يعمرها بحسه.
أفلا يستحق كل هذا الحد الأدنى من الامتنان والتقدير والمشاركة ولو بالجزء اليسير في سبيل المحافظة على هذا المستوى بل وتطويره باعتباره ملكاً لنا جميعاً وإرثاً للأجيال القادمة وأمانة في أعناقنا سنسأل عنها ونحاسب عليها إن نحن قصرنا بحقها!
إن الغيرة على الوطن والمساهمة في بنائه تطوعاً ودعم مؤسساته الاجتماعية والخيرية الفاعلة ليست فقط مسؤولية الحكومات المقتدرة مادياً كما تتوهم قلة قليلة من الناس حين دعوتها للتبرع أو التطوع.. وليست اختراعاً برسم الدول الفقيرة حيث يكاد مواطنها لا يجد ـ أثناء سعيه لتأمين لقمة عيشه وعيش أولاده ـ فضلاً من وقت للتطوع به، ولا حتى بقية من مال يجود بها! وليست كذلك حكراً على المجتمعات الأجنبية الغنية منها أو الفقيرة التي ضربت أروع الأمثلة في العمل التطوعي والخيري..
إن العمل التطوعي في بلد غني كالنرويج يوفر أكثر من 6٪ من الناتج الوطني الاجمالي، وأن عدد المتطوعين في أمريكا وصل قبل أكثر من عشر سنوات فقط إلى 109.4 مليون شخص، وأن الفرد الكندي يتطوع سنوياً بـ 191 ساعة أي بما يعادل 578 مليون ساعة عمل، وفي إيرلندا يعمل (33٪) من الرجال والنساء في مجال التطوع، وفي كوريا الجنوبية جاء في بعض الدراسات أن 3.898.564 شخصاً تبرعوا بـ 451.19 مليون ساعة من أوقاتهم للعمل التطوعي، وشكل المتطوعون في جنوب افريقيا ما نسبته 43٪ من القوة العاملة في القطاع غير الربحي.
أما في المجال الرياضي فما زال ماثلاً في الأذهان النجاح المنقطع النظير لأولمبياد سيدني 2000 الذي ساهم في صنعه حباً بوطنهم وغيرة على سمعته ومكانته أكثر من 35 ألف متطوع استرالي، وكذلك نجاح مونديال كرة القدم 2002 بمشاركة آلاف المتطوعين الكوريين واليابانيين، والنجاح المبهر لبطولة العالم الثالثة لألعاب قوى المعاقين 2002 الذي ساهم في صنعه 15 ألف متطوع فرنسي، وليس آخرها أولمبياد لندن 2012 الذي شارك فيه أكثر من 70 ألف متطوع.
إذن، مسؤولية العمل التطوعي والخيري هي مسؤولية مشتركة، بل وحتى فردية، ولا علاقة لها بغنى المجتمعات أو فقرها، أو قرب أو بعد هذه المؤسسة أو تلك من الجهات الحكومية أو الرسمية.
وإذا كنا حتى الآن لم نصل بعد إلى ذات المستوى الجماعي والمنظم للعمل التطوعي والخيري الذي وصل إليه الآخرون، فهذا يعود إلى تقصيرنا الحالي ونظرة بعضنا الاتكالية وليس إلى أسبقيتنا التاريخية وأفضليتنا في هذا المجال، ويكفي أن نعلم أن أبعد تاريخ للعمل التطوعي المنظم لديهم لم يتجاوز الثلاثة قرون، أما في تاريخنا وثقافتنا الاسلامية فإن دستور العمل التطوعي والخيري قد سن منذ الأزل،.. ويبقى القول إن تنفيذه بما ينسجم مع روح العصر وما نشهده من تطورات هي مسؤوليتنا المشتركة أفراداً ومؤسسات عامة وخاصة بلا أدنى شك.