بقلم: د. نورا الشرابي
اقرأ ايضا: تنظيم الوقت
إن عدم وجود ساعات كافية خلال النهار هي مشكلة يعاني معظمنا منها، لكن هل نحن فعلاً مشغولون أم نشعر بأننا مشغولين؟
تلقي بعض الفرضيات بإصبع اللّوم على التغير في نمط الحياة؛ فالناس مشغولون حتى في أيام العطل، فما الذي يحدث حقيقة؟
قد يكون شعورنا بالانشغال سببه اتكاؤنا الكبير على التكنولوجيا وأدواتها سواء في حياتنا الخاصة أو الحياة المهنية.
إن وجود الكم الهائل من المعلومات على الإنترنت، ووجودنا “على اتصال” بشكل دائم، والطريقة التي تبقينا فيها الهواتف الذكية متصلين بعضنا ببعض على مدار الساعة، هي من الأسباب وراء عدم شعورنا بالراحة كما يجب، حتى في أيام العطل.
لقد قدمت لنا أدوات التكنولوجيا الكثير من الفوائد، لكنها أغرقتنا بالمعلومات، وجعلت الحدود بين أوقاتنا الخاصة وأوقات العمل غير واضحة تماماً. وعليه فإننا نشعر بأننا نعمل وإن لم نكن نعمل.
أظهرت دراسة نشرت في جامعة جيمس كوك في سنغافورة أن استخدام الهواتف الذكية والأجهزة المشابهة يجعل الوقت يمضي بشكل أسرع. بالإضافة إلى أن وجود خيارات كثيرة لتمضية الوقت قد يكون له تأثيره أيضاً.
إن وجود هذه الخيارات الكثيرة، مثل أشياء لنراها وأماكن كي نذهب إليها وكتب لنقرأها وأفلام لنشاهدها، يجعلنا نشعر بأن لدينا وقت فراغ أقل، مع أن الحقيقة عكس ذلك تماماً.
يرتبط ذلك بظاهرة “Paradox of choice” إشكالية الاختيار، حيث أن وجود خيارات كثيرة يعطي شعوراً بأنه أمر جيد، لكن في الحقيقة هو يولد القلق.
هناك سبب آخر قد يكون وراء شعورنا بالانشغال معظم الوقت، وهو أن سمة هذا العصر أن يكون أشخاصه مشغولون، لذا فإننا نميل إلى ملء وقتنا عمداً لنري الآخرين أننا منشغلون، وأن حياتنا تمضي بنا على المسار الصحيح، وأن أداءنا أفضل من هؤلاء الذين هم حولنا.
الفرق بين الإنسان المنتج والمشغول
هل نحن مشغولون أم منتجون؟
هناك فروق شاسعة بين المصطلحين، من هذه الفروق:
- يرغب الإنسان المشغول أن يظهر بمظهر الشخص الذي لديه مهمة لإنجازها، أما الإنسان المنتج فلديه مهمة لإنجازها في حياته فعلاً. وعليه فإن الشخص المشغول يخفي عن الأشخاص حوله شكوكه بشأن الهدف من حياته، فيظهر نفسه أمامهم بمظهر الواثق من تلك الخطوات الصغيرة التي يقوم بها، بينما لا يُحرج الشخص المنتج من أن يرى الناس شكوكه خلال خطواته الصغيرة التي يقوم بها، لأنه واثق كل الثقة من الهدف الكبير الذي يصبو إليه في حياته.
- يوجد لدى الأشخاص المشغولين أولويات كثيرة في حياتهم، بينما الأشخاص المنتجون لديهم أولويات أقل. في الحقيقة لا يوجد شخص مشغول بشكل كامل، ولو كان الشخص مهتماً بما يشغله لأوجد الوقت للإنجاز. الحياة كلها عبارة عن “أولويات”، فمن كانت لديه ثلاث أولويات، لديه ثلاث أولويات، أما الشخص الذي لديه خمسة وعشرون أولوية، فهذه فوضى محضة.
- يتسرع الأشخاص المشغولون بقول “نعم” بسرعة، بينما يقولها الأشخاص المنتجون بشكل أبطأ. في الحقيقة إن لم تقل “لا” لمعظم الأشياء في الحياة، فإنك ستغوص في الملايين من التفصيلات الصغيرة التي تندرج ضمن أولويات الآخرين وليس ضمن أولوياتك. فيفضل أن تكون قيمك وأولوياتك واضحة، وأن تسخّر وقتك لخدمة تلك القيم والأولويات.
- يركز الأشخاص المشغولون على الفعل نفسه، بينما يركز الأشخاص المنتجون على وضوح الرؤية قبل الفعل. وهنا يمكننا أن نضيف بأن توثيق تجارب الحياة هو خير معلم، لكن مع الأسف يوثق الناس الآن حياتهم على الفيس بوك ووسائل التواصل الأخرى والتي تشبه الكتابة على الرمال. لابد أن تحتفظ بكتاب يوميات تسجل فيه الأحداث التي تهمك، وأن تتفكر في اليوم السابق وتكتب عنه، وعما فعلت فيه وما لم تفعل، وعن الأشياء التي ألهمتك فيه.
- يبقي الأشخاص المشغولون أبواب الخيارات مشرعة مفتوحة، بينما يغلق الأشخاص المنتجون الأبواب عليهم. بمعنى أنك عندما تكون شاباً، فمن المنطقي أن تبقي خياراتك مفتوحة، وأن ترغب في السفر وتعلم اللغات وتسلق الجبال والذهاب إلى الجامعة والعمل في مجال التكنولوجيا والعيش في بلدان مختلفة، لكن يصل الإنسان إلى نقطة من حياته عليه فيها أن يدع كل هذه الخيارات ويركز على ما هو أهم. فإن كان هدفي مثلاً تعلم لغة معينة، فعليّ أن أركز عاماً كاملاً لأتعلمها، لكن إن كان هدفي تعلم الإسبانية مثلاً وزيادة مدخولي المادي بنسبة (30%)، والسفر إلى عشر دول، ولعب الرياضة، والذهاب إلى المسرح، فلن أتعلم اللغة الإسبانية في نهاية العام.
- يتكلم الأشخاص المشغولون عن مدى انشغالهم، بينما يدع الأشخاص المنتجون النتائج تتكلم عنهم. التكلم مثلاً عن الكتابة ليس كتابة، والتكلم عن تعلم لغة ليس تعلما للّغة. فالشعور بالإنتاج مختلف تماماً عن الإنجاز. الإنسان المنجز يمكن أن يبقى منجزاً ولو كان يلعب لعبة سخيفة على الكمبيوتر كالسوليتير، بينما قد يشعر الإنسان غير المنجز بالإنجاز لدى قيامه بتأسيس مدونة على الإنترنيت تساعد الآخرين على الإنتاج، فالفرق شاسع بين الإثنين.
- يتكلم الأشخاص المشغولون عن ضيق الوقت لديهم، بينما يخلق الأشخاص المنتجون الوقت لإنجاز الأمور المهمة. إن أي وقت نصرفه في التعذر بضيق الوقت هو وقت مهدور. لايستخدم الأشخاص المنتجون الوقت كذريعة وعذر. ينظر الأشخاص المنتجون إلى الأمور بمنظار مختلف، إذ أن فعلاً معيناً مثلاً قد يخدم قيمهم ومهمتهم أو لا يخدمها، فإن لم يخدمها لن يقوموا به حتى لو كان لديهم وقت اليوم كله. وعليه فإنهم يتحركون بأفعالهم بما يخدم أهدافهم دون النظر إلى الوقت. هناك مثل إيرلندي يقول: “القيام بشيءٍ ما أفضل من عدم القيام بشيء” وهذه المقولة بالنسبة لي غير صحيحة، فالأفضل ـ كما أظن ـ ألا نفعل شيئاً عن فعل شيء ليس له علاقة بأهدافنا الكبرى وقيمنا.
- الأشخاص المشغولون متعددو المهام، بينما الأشخاص المنتجون أكثر تركيزاً. وكي تعرف نفسك، من أي الفريقين أنت، جرب هذه التجربة. اضبط (20) دقيقة على ساعتك لتقوم بمهمة ما مثلاً، دون أن يقطعها قاطع، فإن قمت بشيء آخر خلال هذه المدة (مثلاً ذهبت إلى الحمام أو تكلمت بالهاتف) قم مرة أخرى بضبط الساعة لعشرين دقيقة، وقم بالعمل مرة أخرى، وانظر كم مرة تضبط الساعة، هذه التجربة مؤشر على كونك متعدد المهام أم أنك شخص يركز على العمل الذي يقوم به.
- يرد الأشخاص المشغولون بسرعة على بريدهم الإلكتروني، بينما يأخذ الأشخاص المنتجون وقتهم في الرد. يعتبر البريد الإلكتروني ليس فقط صندوق رسائل، وإنما قائمة من الأولويات، لكن المشكلة أنه أولويات الآخرين وليس أولوياتك، فإن استجبت لكل بريد يأتيك، فإنك تغوص في تفصيلات تخدم أولويات الآخرين. الإنسان المنتج يتعامل مع بريده بأربع خطوات: الحذف والتفريق والتفويض والفعل، حيث يقوم بحذف كل البريد غير المهم دون النظر إليه، ثم يقوم بالتفريق بحيث يضع البريد الذي يمكن إنجازه لاحقاً في زمرة لوحده، ثم هناك التفويض، فبعض الرسائل يمكن للآخرين إنجازها نيابة عنه، وأما “الفعل” فهو البريد المهم الذي لا يستغرق الرد عليه أكثر من دقيقتين وهذا يمكن إنجازه بسرعة. يمكن تطبيق هذه القاعدة على أي شيء آخر غير البريد الإلكتروني، وهذا يصنع الفارق بين الإنسان المشغول والإنسان المنتج.
- يريد الأشخاص المشغولون للآخرين أن يكونوا مشغولين مثلهم، أما الأشخاص المنتجون فيريدون للآخرين أن يكونوا فاعلين. ينزعج الشخص المشغول من رؤية شخص آخر يستمتع بعمله، أو يسترخي، أو يظهر بمظهر من لديه الوقت الكافي، أما الإنسان المنتج فإنه يحب أن يرى الآخرين مستمتعين بعملهم، ويحب خلق بيئة تجعل الآخرين يتفوقون فيما يقومون به.
- يرغب الأشخاص المشغولون أن يقيّمهم الآخرون من خلال الجهد الذي يضعونه وليس من خلال النتائج. بينما الإنسان المنتج يتمتع بالرحلة نحو التفوق، ولا يلقي بالاً إلى الجهد الذي يضعه خلال هذه الرحلة، بل يستمتع بكل دقيقة منها.
- يتكلم الأشخاص المشغولون عن رغبتهم في التغيير، أما الأشخاص المنتجون فهم يصنعون هذا التغيير. امض وقتاً أقل في التكلم عما ستقوم به، وسخر ذلك الوقت في القيام بالخطوة الأولى نحو التغيير.
إجازة في الصيدلة.
كاتبة ومؤلفة .
الكتب المنشورة:
- سلسلة الكلمات المتقاطعة – دار الفكر للطباعة والنشر – دمشق ، سوريا –1997
- دليل الأم في الإرضاع من الثدي – دار الفكر للطباعة والنشر – دمشق ، سوريا –2002
- التعابير العامية الدارجة في اللغة الإنكليزية (الأميركية)-دار الفكر للطباعة والنشر-دمشق-سوريا-2005
- هكذا نقيد الأجيال-دار الفكر للطباعة والنشر-دمشق-سوريا-2010
- أوراق خريفية – دار الفكر للطباعة والنشر- دمشق- سوريا- 2013
- المشاركة في كتابة نص مسرحية بعنوان “وين ندق المسمار” ، عرضت في ثلاث ولايات أميركية أوهايو – تكساس – ولوس أنجلوس –
من المقالات التي نشرت لها:
- مقالة “الرحم.. أول مدرسة في التاريخ” مجلة الراشد العدد الثاني والعشرون، تاريخ نيسان 2003.–دبي ، الإمارات العربية المتحدة .
- مقالة “غريبان تحت سقف واحد” – مجلة مودة ، العدد 26 كانون أول 2003– أبو ظبي ، الإمارات العربية المتحدة
- مقالة “الطفل في المطبخ عود ثقاب متحرك”- مجلة راشد، العدد 24 ديسمبر 2003
- مداخلة تحليلية لتحقيق بعنوان ” نساء يصرخن: لا للوظيفة نعم للبيت- مجلة زهرة الخليج، العدد1334 تشرين أول 2004
- مقالة ” دور الفرد في خلق التوازن النفسي الأسري- مجلة المجتمع العدد الرابع، أغسطس 2004
- ملف التسالي في مجلة أنت – قطر
- ملف التسالي في مجلة ولدي – الكويت
- للروح نصيب – مجلة المنال الإلكترونية – العدد مايو 2019 – الشارقة – الإمارات
- من هي المرأة الجميلة حقا؟ – مجلة المنال الإلكترونية – العدد ابريل 2019 – الشارقة -الإمارات العربية المتحدة.
- ملف التسالي في مجلة مرامي
- مسؤولة سابقة عن ملف التسالي لعدة مجلات إماراتية: الجزيرة الرياضية – همسات- مودة- راشد
- البوصلة الإنسانية ما بعد كورونا – مجلة المنال الإلكترونية – العدد ديسمبر 2020
- مهن السراء والضراء – مجلة المنال الإلكترونية – العدد مارس 2021
- الأشخاص ذوو الإعاقة وسوق العمل- مجلة المنال الإلكترونية- العدد مايو , 2022
شهادات تقدير وانجازات:
- مصنفة ضمن أدباء وأديبات القرن العشرين في سوريا ” أدب الأطفال وأدبائهم في سورية بالقرن العشرين ” – دار شهرزاد للنشر – دكتور مهيار الملوحي – دمشق – سوريا – 2004
- مؤسسة ورئيسة سابقة لرابطة الفنانات المسلمات والتي أدرجت في بحث أكاديمي بعنوان:
Muslim Women Visual Artists’ Online Organizations: A Study of IMAN and MWIA
رابط البحث
- شهادة تقدير من مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
المقابلات الإعلامية :
- مقابلة صحفية مع صحيفة أوكلاند برس الأميركية في ولاية ميتشيغان بقلم هوزيه هواريز – كانون أول – 1997
- مقابلة صحفية مع صحيفة أوكلاند برس الأميركية في ولاية ميتشيغان بعنوان “للزوجين ، الإسلام هو الحياة” بقلم دوج بومان -كانون أول – 1997
- مقابلة في جريدة خليج تايمز (Khaliij times) – “Authoring Success Stories”- By Anu Prabhakar, Published: Fri 8 May 2009 https://www.khaleejtimes.com/article/authoring-success-stories
أعمال إضافية :
- إعداد 240 ساعة إذاعية لبرنامج “راديو إي أو إف” . على محطة WNZK 680 AM في ولاية ميتشيغان الأميركية 1998-1999.