شاهدنا فيديو بعنوان «العالم دون حواجز هو حلمنا»، والذي يبين أن سكان حي في تركيا تعلموا لغة الإشارة من أجل التواصل مع الشاب التركي الأصم (محرم) بطريقة لغة الإشارة، وهو لم يتوقع تماما أنهم يتواصلون معه في الأماكن العامة بطريقة غير مسبوقة، وأصيب بالدهشة حين علم أن جميع سكان الحي الذي يعيش فيه تعلموا لغة الإشارة من أجله! وفي آخر لحظة قام أحد سكان الحي بكشف الكاميرا للأصم محرم، وأطلعه على مكان الكاميرات الخفية التي كانت تصوره، ولذلك تأثر لدرجة البكاء بشكل مؤثر جدا، وهذا المشهد أبكى الملايين حول العالم. السؤال الذي يطرح نفسه ولا بد من الإجابة عنه: لماذا يبكي الأصم التركي؟ وهل لأنه أصم يعزل عن المجتمع العام، أم المجتمع يعيق نفسه لعدم التواصل معه؟ لا يخفى على الجميع أن المجتمع العام متعاطف مع مجتمع الصم، ولكن يجهل الكثيرون وجود حلول وطرق للتعامل مع الأشخاص الصم.
في الحقيقة أن هذا المشهد يمثل الكثيرين من الصم في العالم أجمع ونفس شعورهم المؤلم، لأن المجتمع العام لم يفهم «مجتمع الصم ولغة الإشارة»، لأن المجتمع يركز على أن الصم لديهم مشكلة نتيجة إعاقة سمعية فقط بغض النظر عن ثقافتهم ولغتهم، وفي نفس الوقت لا يزال بعض أفراد المجتمع العام يجهلون تماما ما هي ثقافة الصم وطبيعتها.
وهنا أقول: إن الأبحاث الاجتماعية الحديثة ترى أن أي مجتمع من المجتمعات البشرية هو كالفرد يملك شخصية ولغة خاصة به. وهذه الشخصية المجتمعية تعرف في الاصطلاح العلمي باسم «Culture»، ويعود ذلك إلى أسباب ليس هنا مجال شرحها، والتفاصيل تحتاج إلى كتاب مستقل وعميق.
إن لغة الإشارة مثلها مثل أي لغة أخرى، وهي اللغة المكتسبة لمجتمع الصم، ولكن المجتمع العام لا يعرف لغة الإشارة ولا يعترف بها أيضا. من الطريف أن بعض أفراد المجتمع العام حصلوا على شهادات في لغة الإشارة لدورات في أسبوع من أجل التعامل مع فئة الصم، ولكنهم نسوا اللغة لعدم تواصلهم مع الأشخاص الصم، وأصبحت شهاداتهم مجرد «حبر على ورق»، ولا أظن أن عاقلا يقبل مثل هذه الدورات القصيرة. ولو تسألهم: ما الفائدة من الدورات القصيرة؟ وهل هذه كافية؟ فلن تجد إجابات منطقية منهم سوى المال والتسلية والترفيه فقط، أما المعنويات فلا قيمة لها في نظرهم.
قصة الأصم التركي «محرم» ليست قصة فردية، وإنما هي أنموذج للواقع الذي نراه في الأماكن العامة، فمن المفترض إضافة مادة لغة الإشارة إلى المواد الأساسية المطلوبة في المدارس والجامعات بشكل إجباري، وهذه المادة مثلها مثل اللغة الإنجليزية والفرنسية، وعلى الجميع أن يتعلمها من أجل التواصل مع الأشخاص الصم. ولو أن التجربة تطبق على أرض الواقع، فسوف يتحول مجتمع الصم من العزلة والحزن إلى الدمج والفرح، وسيزيد شعورهم بالرضا.
حمد عبد العزيز الحميد
- باحث وكاتب رأي
- أول سعودي من ضعاف السمع يحصل على الماجستير في الإدارة العامة (M.P.A) والبكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة Gallaudet في واشنطن، بالولايات المتحدة الأمريكية
- محاضر سابق في قسم العلوم السياسية Gallaudet University
- لديه دورات علمية وتعليمية في مجال الصم وضعاف السمع
- حاصل على شهادة شرفية من منظمة الشرف للعلوم السياسية
- حسابه في تويتر:@PersonalHamad