اللغة العربية هي أساساً لغة منطوقة وجميع الأطفال السامعين يتشربونها دون وعي من والديهم الذين يتحدثون بها بالفطرة. هؤلاء الأطفال السامعون يكونون محاطين باللغة العربية ويتلقفونها من جميع الجهات سواء من أفراد الأسرة عند حديثهم ونقاشهم أو من الأطفال والجيران والأقارب والأصدقاء أو من التلفاز أو المذياع أو من خلال أحاديث الناس حولهم في الشوارع والأسواق والمقاهي والمستشفيات والمساجد والمطارات… الخ. باختصار فهم يسمعون اللغة العربية في كل مكان يذهبون إليه. إنهم يستمعون ويقلدون ويبدءون تدريجياً بتكوين جمل صحيحة نحوياً حتى قبل أن يلتحقوا بالمدارس ويبدءوا بتعلم القراءة والكتابة.
بيد أن الأطفال الذين يولدون وهم صم، أو أصيبوا بالصمم في طفولتهم، فهم محرومون من هذه الميزة التي يتمتع بها الأطفال السامعون. وحيث أنهم لا يستطيعون سماع اللغة العربية كأقرانهم السامعين فهم لا يتمكنون من الاستفادة منها.
ولكن عندما يتمكن الوالدان من إجادة لغة الإشارة السعودية ويتواصلان عن طريقها مع أطفالهما الصم بشكل يومي ومستمر فيعتبر هؤلاء الأطفال أوفر حظاً من غيرهم لأنهم عندما يلتحقون بالمدرسة تكون لديهم حصيلة لغوية كبيرة تساوي الحصيلة اللغوية لدى أقرانهم من الأطفال السامعين، نظراً لامتلاكهم للغة حقيقية وهي لغة الإشارة السعودية. فيصبحون عندئذٍ قادرين على التعبير عما يجول في أنفسهم وبيان ما يحتاجونه. بينما عندما لا يجيد الوالدان لغة الإشارة السعودية فلن يتمكنا من التواصل مع أبنائهما الصم بالمستوى المأمول بل يكون تواصلهما محدوداً جداً لا يرتقي لمستوى التواصل مع أبنائهما السامعين. فأمثال هؤلاء الأطفال الصم عندما يلتحقون بالمدرسة تكون الحصيلة اللغوية لديهم ضئيلة جداً ولا يكون لديهم لغة حقيقية.
وهذا يتسبب في تأثيرات خطيرة تؤثر على مستوى تطورهم التعليمي ونموهم اللغوي. وكما أبان الدكتور سام سوبالا Sam Supalla الأستاذ في جامعة أريزونا فإنه لا يمكن للطفل أن يتعلم لغة ما، إلا إذا كان يجيد إحدى اللغات الحقيقية. فالطفل السامع عندما يصل إلى سن المدرسة تكون لديه لغة حقيقية كاملة وهي اللغة العربية يستطيع بواسطتها الحديث والتعبير عما يجول في نفسه بطلاقة لكنه لا يعرف القراءة والكتابة. بينما الطفل الأصم عندما يصل إلى سن المدرسة تكون الحصيلة اللغوية لديه ضعيفة لعدم تأهيل الوالدين وتدريبهما على لغة الإشارة السعودية لكي يتواصلا مع ابنهما الأصم من سن مبكرة. لهذا تكون الحصيلة اللغوية لدى الطفل ضعيفة جداً.
وبعد التحاقه بالمدرسة واختلاطه بأنداده من الأطفال الصم يتعلم منهم بالتدريج لغة الإشارة السعودية ويتقنها وبهذا تصبح لديه لغة حقيقية.
لكن المشكلة الكبرى هي أن معلمي ومعلمات معاهد الأمل ومدارس وبرامج الدمج لا يجيدون لغة الإشارة السعودية وغالباً يتواصلون مع الأطفال الصم شفهياً والمجتهد منهم يستخدم طريقة التواصل الكلي أي الكلام مع بعض الإشارات، في نفس الوقت، ولأنه لا يجيد لغة الإشارة السعودية فإنه يؤدي بعض الإشارات بطريقة خاطئة وكيفما اتفق فلا تصل المعلومة كاملة للأطفال الصم ويتسبب هذا في تأخرهم اللغوي وضعفهم في اللغة العربية، لهذا فلا عجب أن نجد الصم وبعض ضعاف سمع يتخرجون من معاهد الأمل للصم ولغتهم العربية ركيكة نتيجة لضعف المناهج المقررة عليهم وعدم تأهيل معلمي ومعلمات الصم.
ويقع اللوم ـ للأسف ـ دوماً على الصم باعتبار أن إمكانياتهم محدودة ولذلك لا يسمح لهم بمواصلة تعليمهم الجامعي بحجة ضعفهم اللغوي وعدم قدرتهم على استيعاب المناهج الجامعية. وكان الأجدر استحداث برنامج مكثف في اللغة العربية لمساعدة الصم وضعاف السمع على تقوية لغتهم العربية وزيادة حصيلتهم اللغوية ويكون جسراً للعبور للمرحلة الجامعية على أن تتولى القيام بمهمة تدريسهم هيئة تدريس تجيد لغة الإشارة السعودية وتطبق أحدث الأساليب العلمية في تعليم الصم وهي طريقة ثنائية اللغة ـ ثنائية الثقافة.
وتختلف لغة الإشارة السعودية تماماً عن اللغة العربية في قواعدها وتركيبها وبنائها، فهي ليست مجرد سلسلة من الكلمات المصورة من غير أساس، بل هي لغة مرئية ـ إيمائية تختلف تماماً عن اللغة المنطوقة. فعلى سبيل المثال يوجد في لغة الإشارة السعودية صيغ للمفرد والمثنى والجمع ولكنها مختلفة عن الصيغ الموجودة في اللغة العربية.
وكما ذكر الدكتور هارلان لين Harlan Lane الأستاذ في جامعة نورث إيسترن Northeastern University ببوسطن ـ ماساتشوسيتس فإن هناك عدة صيغ للجمع في لغة الإشارة: إما بتغيير اتجاه الجسم أو بمضاعفة الإشارة أو باستخدام أكثر من إصبع أو اليدين للدلالة على الجمع. ولا يوجد في لغة الإشارة السعودية صيغة جمع مذكر أو مؤنث سالم أو جمع تكسير. وتركيب الجملة فيها يختلف تماماً عن تركيب الجملة في اللغة العربية.
منسقة برنامج الصم ولغة الإشارة مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة الرياض ـ المملكة العربية السعودية
هند الشويعر هي فتاة صماء ومن أبرز الناشطين في مجال حقوق الصم والحفاظ على لغة الإشارة السعودية وتطويرها والسعي لتوثيقها ونشرها بين أفراد المجتمع. وهي حالياً تدير المشروع الوطني ممثلة عن الاتحاد العالمي للصم لتوعية النساء الصم بأهمية الاكتشاف المبكر لسرطان الثدي والذي ترعاه جمعية زهرة لسرطان الثدي بالتعاون مع الاتحاد العالمي للصم ومركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة والجمعية السعودية للصم بالرياض.
ولها العديد من الكتابات باللغتين العربية والإنجليزية نشرت في الصحف السعودية ومجلة المنال ومجلة عالمي ومجلة الاتحاد العالمي للصم وتقوم بعمل دورات تعليمية للصم، ودورات تدريبية في لغة الإشارة السعودية للسامعين. وشاركت في العديد من المؤتمرات والملتقيات المحلية والعربية والدولية من أهمها المؤتمر العالمي الخامس عشر للاتحاد العالمي للصم في مدريد يوليو 2007 م، حيث ألقت ورقة عمل لاقت نجاحاً كبيراً وحظيت باهتمام الأوساط العالمية ونتج عنها اصدار قرار ينص على أهمية الحفاظ والارتقاء وحماية لغات الإشارة المحلية والتراث الثقافي وتشكيل سياسات اللغة لتقوية لغات الإشارة بما فيها اللغات المحلية الطبيعية. وألقت محاضرات في الجامعات السعودية ومعاهد الأمل ومدارس الدمج وجامعة جالوديت وجامعة نيومكسيكو وجامعة كاليفورنيا لوس أنجليس في الولايات المتحدة الأمريكية، وجامعة هيرويت وات في أدنبرة ـ اسكتلندا.
بالإضافة لعملها كمنسقة برنامج أبحاث الصم ولغة الإشارة في مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة فهي عضوة في العديد من اللجان والمنظمات المحلية والعربية والدولية، منها:
- رئيسة اللجنة التعليمية في القسم النسائي للجمعية السعودية للصم بالرياض.
- عضوة في الجمعية السعودية للصم.
- عضوة في اللجنة السعودية لخبراء ومترجمي لغة الإشارة.
- عضوة في الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم.
- ممثلة الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم في الجمعية العالمية لمترجمي لغة الإشارة WASLI (2005 ـ 2011 م),
- عضوة في المجموعة الدولية للأكاديميين والباحثين الصم.
- عضوة في الاتحاد العالمي للصم.
- عضوة في الشبكة الدولية لخبراء ومستشاري الاتحاد العالمي للصم (2007 ـ 2012م),.
- عضوة وضابط الاتصال للمنطقة العربية في الجمعية العالمية لمترجمي لغة الإشارة WASLI (2011 م ـ وحتى الآن),.
- عضو اللجنة الاستشارية للمكتب الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط لمنظمة سي بي إم الدولية المعنية بالإعاقة ممثلة عن الأشخاص الصم (2010 م ـ وحتى الآن),.