الإنسان بطبيعته كائن متسرع في الأحكام، يظن نفسه قادراً على فهم معظم الأمور واتخاذ القرارات المناسبة، لا بل إن غروره وعنجهيته في بعض الأحيان تدفعه إلى إطلاق الأحكام والنتائج على وقائع لم تحصل معه شخصياً بل سمع أو قرأ عنها دون الاستناد إلى مصادر موثوقة تجعل من أحكامه هذه قيّمة وقابلة للتصديق، وبعد مدة من الزمن تكشف له الأيام أن مقدار علمه ومعرفته محدود جداً ولا يتجاوز 5 أو 10 بالمائة مما كان يعتقد أنه يعرفه، وهذا الأمر تحديداً هو الذي دفع أغلب الفلاسفة والعلماء إلى دعوة البشر بشكل عام للتروي والاطلاع قبل إطلاق الأحكام والنتائج كي يؤخذ بها وتكون على مقدار معين من الصواب والدقة.
ولعل من أبرز القضايا التي طالتها النظرات الخاطئة والأحكام المتسرعة غير المبنية على العلم والمعرفة بل على الثرثرة وصف الكلام هي قضية الأشخاص من ذوي الإعاقة ومدى قدرتهم على التعلم والتفاعل والاندماج في المجتمع، فغالبية المجتمعات، ومجتمعاتنا العربية تحديدأً تظن أن هذه الشريحة عاجزة عن اكتساب العلم ونهل المعرفة وتحتاج إلى وصاية مستمرة، ناهيك عن التعامل معها بطريقة إما تتسم بالعطف والشفقة أو بممارسات خاطئة لا ترضى بها منظومة القيم الدينية والاجتماعية.
ليس هذا وحسب، فعدم الإيمان بقدرة الأشخاص من ذوي الإعاقة على العمل والإبداع والابتكار وترويج هذه الفكرة سواء من خلال الأحاديث اليومية أو من خلال وسائل الإعلام التي غزت كل مفاصل الحياة، يعتبر خطأ فادحاً يؤثر على كمية الفرص المواتية التي يجب أن توفر للأشخاص المعاقين كي يتدربوا على تنمية مهاراتهم وتطوير قدراتهم، ما يسبب للمجتمع خسارة في مجال التنمية البشرية، فالمجتمع بحاجة لطاقات جميع أبنائه سواء أكانوا معاقين أم غير معاقين.
أسماء المبدعين من ذوي الإعاقة حاضرة بقوة عبر التاريخ، فقد أثبتوا بما لا يدع مجالأً للشك أن باستطاعتهم تحقيق ما يعجز عنه الكثيرون وفي مختلف المجالات، فها هو العالم البريطاني هاوكينغ يصنف على أنه واحد من أعظم العلماء الذين أنجبتهم البشرية على مر التاريخ على الرغم من أنه غير قادر على تحريك جسده نهائياً، ومن ينسى رسالة (أبي العلاء المعري) وحكمه وأشعاره التي أثرت في عشرات الأجيال التي جاءت بعده وهو الكفيف، وأديسون الذي كان يعاني من صعوبة التعلم وضعف السمع ألم يغير وجه الكوكب كله جراء اكتشافه المصباح الكهربائي بالإضافة إلى براءة أكثر من 1500 اختراع، والقائمة تطول إن شئنا العد.
ما الذي يعنيه هذا، هذا بالتأكيد لا يعني أن كل الأشخاص من ذوي الإعاقة مبدعون وقادرون على اجتراح المعجزات في شتى الميادين، تماماً كالأشخاص من غير المعاقين فهناك من هو متفوق وناجح في مجاله وهناك من هو غير ذلك وهكذا..وبناء عليه لا يجب أن تكون هناك أي مبالغات في موضوع التوقعات من الأشخاص ذوي الإعاقة وإنما العمل على توفير المجالات وتأمين الفرص المؤاتية لتعزيز قدرتهم وإمكانياتهم في ظل ظروف مناسبة للجميع.
يوم الثلاثاء 15 يناير 2013 أطلقت هيئة الطرق والمواصلات في دبي مبادرة (السائق لا يسمع) والمبادرة مستوحاة من فكرة لمعلم التربية الفنية في مدرسة الأمل للصم التابعة لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية محمد أبو زهرة وهو من الأشخاص الصم، وفي حفل إطلاق هذه المبادرة قدم مجموعة من الطلبة الصم مسرحية بعنوان (الحلم) أبدع من خلالها الطلبة في أدائهم التمثيلي وكأنهم ممثلون محترفون واستطاعوا بكل براعة وإتقان أن يوصلوا الأفكار التي تحملها المسرحية إلى المشاهدين الذين قابلوها بكثير من التصفيق والإعجاب.
طبعاً لم تكن هذه المسرحية الأولى للطلبة الصم، فمدرستهم ومدينتهم من خلال الحرص على تأمين كافة الظروف المناسبة لإظهار مواهبهم وإبداعاتهم تواكب على الدوام كل ما من شأنه الارتقاء بهذه الطاقات وإخراجها إلى العلن لتعبر عن هؤلاء الأشخاص، وليكون أبناء المجتمع على علم ومعرفة بما يستطيع أن يقدمه الأشخاص من ذوي الإعاقة في مختلف المحافل والمجالات.
ليس الغرض هنا من ذكر إبداع الطلبة الصم في هذه المسرحية وغيرها والتركيز على الحدث بعينه، بل لا بد أن نعلم جميعأً أنه وبشكل عام يستطيع الأشخاص من ذوي الإعاقة أن يتألقوا ويبدعوا فنياً وأدبياً واجتماعياً، تماماً كأقرانهم من غير المعاقين ونحن بحاجة إلى تكريس كافة الطاقات في المجتمع لتخدم نهوضه وتقدمه وهذا ما يجب أن يهتم به الجميع ويدعمه كل من موقعه.
ومع الثورة الهائلة التي حققتها وسائل الاتصال الجماهيري والاجتماعي تستطيع الحكومات والجهات المعنية أن تقوم بتوعية أبناء المجتمع بقدرات المعاقين وإمكانياتهم وأفضل الأساليب في التعامل معهم وهذا الأمر لو تم فعلاً فإن جزءاً كبيراً من النظرة السلبية الخاطئة تجاه هذه الفئة سيتم تصحيحه مما سينعكس إيجابياً على الجميع.
وفي الختام لا بد من القول إن تضافر جهود جميع أبناء المجتمع سيكرس حالة التعاون بن الأشخاص المعاقين وغير المعاقين، وسيساعد كثيراً على ظهور الإبداعات التي يكتنزها أبناء هذه الشريحة الأمر الذي من شأنه أن ينهض بالمجتمع ككل… بلا استثناء.
حازم ضاحي شحادة
- بكالوريوس في الصحافة / جامعة دمشق
- صحفي في جريدة الوحدة السورية سابقاً
- صحفي منذ عام 2007 في قسم الإعلام / إدارة الاتصال المؤسسي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- كاتبٌ في مجلة المنال الإلكترونية
الخبرات
- التطوع والعمل سنوياً منذ العام 2008 في مخيم الأمل الذي تنظمه مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية حيث قامَ بتحرير أخباره أولاً بأول.
- التطوع والعمل منذ العام 2008 في مهرجان الكتاب المستعمل الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة منذ العام 2007 في ملتقى المنال الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره.
- المشاركة في ملتقى التوحد (خارج المتاهة) الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في أبريل من العام 2015 وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة في مؤتمر التدخل المبكر الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في يناير من العام 2016 والمساهمة في تحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة في مؤتمر التقنيات المساندة الذي نظمته المدينة في مارس من العام 2017 وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة منذ العام 2008 في حملة الزكاة التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية سنوياً وتحرير أخبارها أولاً بأول.
- لا بد من الإشارة إلى عشرات وعشرات الفعاليات والأنشطة والزيارات التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ويقوم بتحرير أخبارها أولاً بأول.
- كما لا بد من الإشارة إلى أن 80 في المائة من الأخبار المنشورة عن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في مختلف الصحف والمواقع منذ منتصف العام 2007 وحتى يومنا هذا هي من تحريره.
المؤلفات
- أديبٌ سوري يكتبُ في الصحافةِ العربيةِ منذ عشرين عاماً
- صدر له حتى الآن:
- المبغى / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- اختلافٌ عميقٌ في وجهات النظر / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- أيامٌ في البدروسية / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- فوق أرض الذاكرة / مجموعة قصصية. دار آس سوريا
- أوراق نساء / 2012 ـ ديوان . دار بصمات ـ سوريا
- نشرت العديد من قصصهِ في مجلات وصحف ومواقع إلكترونية سورية وعربية منها
- (مجلة الآداب اللبنانية) (مجلة قاب قوسين) الأردنية (مجلة ثقافات الأردنية) (مجلة انتلجنسيا التونسية) (جريدة الوحدة السورية)