دليل درامي للتعامل مع اضطرابات صعوبات التعلم
بقلم: محمد النابلسي
” … هو أنت تعبت مني ولا بطلت تحبني؟ “
سؤال جاء على لسان شخصية “زيزي” التي قامت بأدائها الممثلة المصرية أمينة خليل ضمن مسلسلها الرمضاني “خلي بالك من زيزي”، عندما واجهت زوجها قبل أن يشرخ الطلاق علاقتهما التي نسي فيها “هشام” زوجها نفسه على حد تعبيره، دون أن يعرفا أن المشكلة تكمن في أن تصرفات زيزي نابعة من إصابتها باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه ADHD.
“.. هو انت تعبت ولا بطلت تحبني؟ “
سؤال قد يتردد في أذهان ما يقارب 63 مليون شخص حول العالم تشير الدراسات أنهم مصابون باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، فهذا المصطلح يشير إلى خلل في النمو العصبي تظهر أعراضه في ثلاثة أشكال هي انعدام التركيز، الحركة المفرطة، والاندفاع، أو مزيج منها. وهو ما يؤثر بشكل مباشر على المحيطين بهم خاصة في حالة عدم فهم طبيعة المشكلة.
يأتي مسلسل “خلي بالك من زيزي”، من إخراج كريم الشناوي، وتأليف ورشة كتابة تضمنت منى الشيمي (فكرة وسيناريو وحوار) مجدي أمين (سيناريو وحوار) وإشراف عام على الكتابة مريم نعوم، متصدراً سباق الموسم الرمضاني الدرامي 2021 مثيراً حوله الكثير من الجدل والمفاجأة، فقد تناوله النقاد باستحسان كبير، وأخذت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام تكيل المدح والتقدير لطاقم العمل.
فكرة العمل تناولت اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، من خلال تتبع حكاية “زيزي” بطلة العمل التي تعاني من آثار عدم تشخيص الاضطراب في طفولتها، والتداعيات السلبية لذلك على علاقاتها الاجتماعية ومسار حياتها المهنية. كما يتتبع المسلسل تأثير وجود طفلة اسمها “تيتو” أدت دورها باقتدار الطفلة ريم عبد القادر، والتي تم تشخيصها باضطراب فرط الحركة أيضاً، ودور كل من هاتين الشخصيتين وتأثيرهما على حياة بعضهما، فالطفلة “تيتو” هي صورة مجسدة لطفولة بطلة المسلسل “زيزي”، مما فرض على “زيزي” أن تواجه حياتها بأكملها من خلال علاقتها بالطفلة “تيتو”.
يندرج هذا العمل ضمن أنماط التسويق الاجتماعي والذي يُعرف بأنه تسويق مصمم لإحداث تغيير اجتماعي، ورفع الوعي بمشكلة ما أو تغيير اتجاه سلبي ما. لذلك، بدلاً من بيع منتج، “يبيع” التسويق الاجتماعي سلوكًا أو أسلوب حياة يفيد المجتمع، من أجل إحداث التغيير المنشود.
هذه المنفعة للصالح العام هي دائماً التركيز الأساسي. وهذا ما حدث بالفعل فقد استطاع المسلسل لفت انتباه الأسر إلى أن سلوكيات أبنائهم أو سلوكياتهم هم شخصياً قد تنبأ بوجود اضطراب ما.
المشكلة والحلول
لم يقدم المسلسل حلولاً سحرية لفرط الحركة وتشتت الانتباه أو أي من الاضطرابات النفسية الأخرى التي عاشتها شخصيات المسلسل، ولم يستعرضها أيضاً بشكل فج ومباشر. فالحلقات الأولى من المسلسل يظن المتفرج أنه صراع وقضية طلاق بين زيزي وزوجها هشام عسل، وأزمة تتعرض لها الطفلة “تيتو” نتيجة خلاف بين والديها، واعتبار زيزي سيدة عصبية لا هدف من حياتها، تعرض نفسها لمشاكل من خلال مواقف كوميدية. أما الطفلة “تيتو” فقد اعتقد المشاهدون أنها طفلة تشبه الكثير من الأطفال (الأشقياء).
ولكن عند تفاقم تلك الأزمات، بدأت الرحلة الطبيعية التي يعيشها أولياء الأمور أو الأشخاص المصابون بأزمات نفسية ومرورهم في مراحل الإنكار، الاعتراف، التسوق للخدمات، حتى يتم التقبل والتصالح مع أنفسهم أو مع إصابة أي من أحد أفراد العائلة. ولم يقدم المسلسل حلولاً فورية لأية أزمة نفسية إنما تم التعامل مع الوقت كعنصر أساسي في التحسن التدريجي، واستخدام وسائل مختلفة مفيدة في هذا الخصوص.
قالب التقديم الكوميدي
من النقاط التي تحسب للمسلسل تقديم قضية هامة ومبنية على أسس علمية ضمن إطار درامي – كوميدي خفيف، وهو أمر مميز للغاية فقد حققت المواقف الكوميدية غير المفتعلة، صورة طبيعية جداً للمواقف التي قد يعيشها أو يتعرض لها أي شخص، حتى المواقف الدرامية جاءت هي الأخرى طبيعية دون مبالغة أو أداء غير حقيقي، فعلى سبيل المثال لا الحصر في الحلقات الأخيرة هناك مشهد تعلن فيه عائلة الطفلة “تيتو” قرار عودتها إلى المنصورة وترك القاهرة، وأخذ “تيتو” من حضن صديقتها ومعلمتها “زيزي”، كان مشهداً مليئاً بالعواطف وموقف كل شخصية في ذلك المشهد كان موقفاً مدروساً ومحسوباً ولكن دون تعقيد.
كسر الصور النمطية
إن معرفة صاحبة فكرة المسلسل وأحد أعضاء فريق الكتابة “منى الشيمي” كأخصائية نفسية وكمصابة فرط الحركة وتشتت الانتباه ADHD، جاء ليساعد في الاستناد على الأسس العلمية لمختلف الاضطرابات النفسية، وكسر الصور النمطية للمصابين باضطرابات نفسية، وصورة المعالجين النفسيين، فالمعالجون النفسيون اكتسبوا (عموماً) صورة كوميدية وغير حقيقية في الدراما العربية، بدأت تتغير خلال السنوات الأخيرة.
ويحسب للمخرج اهتمامه بالتفاصيل الخاصة بالأماكن والشخصيات وأزيائها، والتركيز الواضح على تصاعد الأحداث وتغيرها ضمن إيقاع يجذب الجمهور طوال الوقت لم يفلت منه في أي حلقة.
نحتاج فعلاً إلى هذا النوع من الأعمال الذي يقدم صورة الإعاقة واضطرابات صعوبات التعلم واضطرابات الإعاقة دون مبالغة، أو تنميط أو انفعالية. كما ساعد هذا النوع من الأعمال على اقتراح حلول منطقية للتعامل مع هذه الاضطرابات، وتعزيز فكرة التقبل للعلاج السلوكي المعرفي، والأنماط غير التقليدية للعلاج.
والأهم من هذا كله هو احساسنا المشروع بإحساس التعب خلال رحلتنا مع إصابتنا أو إصابة أحد أفراد الأسرة بأي نوع من الاضطرابات النفسية أو الإعاقة، ولكن الأهم ألا نفقد مشاعر التقبل والحب، فيأتي الجواب على سؤال زيزي ” … هو أنت تعبت مني ولا بطلت تحبني؟ ” بأن التعب قد جاء من الرحلة وليس من الشخص نفسه، والحب والدعم يستمران دون شروط.
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”