يمكننا أن نتصور أن الطالب الأصم في السادسة من عمره وبرنامجه اليومي التالي: يقوم الطالب الأصم صباحاً ويحمل حقيبة ثقيلة على ظهره ويذهب إلى المدرسة وهو لم يفهم ما هي المدرسة، ويجلس في الفصل ولا يفهم أيضاً ما يشرحه المعلم!! والسبب ضعف لغة التواصل المباشر بينه وبين المعلم، وهو لم يتعلم اللغة العربية والمواد الأساسية جيداً. يعود إلى المنزل ويرمي الحقيبة على الأرض، ويجلس على الكرسي ويتفرج على التلفاز.. ولا يفهم أيضاً!! ويستخدم الألعاب الإلكترونية الرائجة في عصر التكنولوجيا حتى موعد نومه في المساء كالعادة دون حل الواجبات المنزلية لأنه لم يفهم ما هي الواجبات المطلوبة.
إذن، ماذا تفعل مدارس الصم والدمج؟ لا أحد يدري!
هذا الطالب الأصم يمثل الكثير، وليس الكل، من الأشخاص الصم في بلدنا ممن لم ينالوا نصيبهم من التعليم والخبرة في الحياة. إن فقدان السمع لا يتسبب في التأثير السلبي بدرجة كبيرة على مستوى تعليمهم العام والجامعي وعدم قدرتهم على التعلم كما يعتقد الكثير، ولكن السبب الحقيقي هو سوء تصميم المناهج التعليمية وضعف التواصل المباشر بين الطلاب الصم والمعلمين، وعدم وجود كادر تعليمي قادر على التعامل مع الطلاب الصم، وكل التجارب التعليمية في بلدنا فشلت فشلا ذريعاً.
نستطيع القول إن الطلاب الصم هم الضحية وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها.
في الحقيقة يعاني تعليم الصم في بلدنا من مشاكل خطيرة لا حصر لها.
المشكلة الأولى أن النظام التعليمي يقوم على الحفظ والتلقين بطريقة ببغائية ويقدم الأجوبة الجاهزة لكل أسئلة المواد الأساسية فلا يتعلم الطلاب والطالبات شيئاً… ويحصلوا على شهاداتهم! هذه الوثيقة توضح أن على الطلاب والطالبات الصم أن ينتقلوا من مرحلة إلى أخرى بطريقة الشفقة والمجاملة والإطراء غير المبرر.
المشكلة الثانية أن جزءاً كبيراً من الطلاب الصم الصغار يبقون في المدارس دون تعلم حقيقي ومطلوب من أي نوع. من الطبيعي والمتوقع جداً أن حرمان هؤلاء الطلاب الصم من حقهم في التعلم سيبقيهم أميين إلى الأبد.
يجب أن نعترف أن أغلب الأشخاص الصم في بلدنا يعانون من ضعف اللغة العربية. ربما تسأل: لماذا؟ التوضيح ببساطة أن لغة الصم العرب هي لغة الإشارة الأولى بطبيعة الحال، واللغة العربية تعتبر لغة ثانية. لغة السامعين العرب هي اللغة العربية الأولى ـ على سبيل المثال ـ ولغتهم الثانية المكتسبة هي اللغة الإنجليزية، ويمكننا أن نرى أن الشخص السامع ضعيف في اللغة الانجليزية لأنه لم يتعلمها بشكل جيد من المدارس كما هي الحال تماماً لدى الطلاب الصم في تعلم اللغة العربية من الواقع.
المشكلة الثالثة هي عدم وجود مركز تعليم اللغة العربية للصم، وأيضاً عدم إعداد وتأهيل للمعلمين لكي يتمكنوا من القيام بمهمة التدريس في اللغة العربية للطلاب الصم.
يجب أن نذكر أن اللغة العربية جزء لا يتجزأ من هويتنا الثقافية ولا يمكن تجاهلها. لذا فإن الطلاب الصم بحاجة ماسة إلى ممارسة القراءة والكتابة بأنفسهم منذ الصغر، وأيضاً هم بحاجة إلى فهم القراءة والكتابة دون الاعتماد التام على مترجمي لغة الإشارة. ولو انعدمت معرفة القراءة والكتابة لدى الطلاب الصم في المدارس فما هي الجدوى من تعليمهم الجامعي إذن؟
المشكلة الرابعة هي أن المؤسسات الحكومية والخاصة قد أنفقت الأموال الهائلة على دعم مشروع القاموس الإشاري لتدريب المعلمين والمتخصصين ومترجمي لغة الإشارة في بلدنا دون تقديم أي دعم لمشروع اللغة العربية للأشخاص الصم.. ولا أنكر ذلك، ولكن النتيجة فشلت، وأجزم أن هذه الخطة سوف تفشل فشلا ذريعاً ولن يمكنها تحقيق أي نجاح. كما أن التركيز على دورات لغة الإشارة وتفعيل القاموس الإشاري فقط دون النظر إلى تقديم دورات اللغة العربية للصم هو تقليد أعمى ويفتقر إلى المنطق، وهذا الواقع سيثبت فشله سريعاً.. فليس منطقياً لأي شخص أن ينفق الأموال الضخمة على مشروع القاموس الإشاري وينكرها على دعم مركز اللغة العربية للصم.
ربما تسأل: ما الحل؟ الحل الوحيد في تقديري هو إنشاء مركز تعليم اللغة العربية للصم، وأعني هنا إنشاء مركز مستقل وبحثي للغة العربية وتطبيق على منهج التعليم الثنائي (Bilingualism) تحت إشراف وزارة التعليم. أنا واثق تماماً أن تلك الأموال لو أنفقت على دعم إنشاء مركز اللغة العربية للصم ودعم الوسائل التقنية المتطورة التي تساعد على تحسين مستوى اللغة العربية لما كان هذا المستوى المتدني في مهارات القراءة والكتابة لدى الطلاب الصم، ولتمكن الطلاب الصم من التواصل مع المجتمع دون الحاجة إلى الاعتماد على الآخرين، وأيضاً الدفاع عن أنفسهم وتعزيز استقلالهم الشخصي.
لذا أرى أن إنشاء مركز تعليم اللغة العربية والبحث العلمي المتعلق بالصم مسألة مطلوبة وضرورية لأنه سيحل هذه المشكلة المعقدة.
وليس من اللائق بل المرفوض في بلدنا العزيز أن الطالب الأصم يولد ويخرج من المرحلة الثانوية وعقله صفحة بيضاء خالية من القراءة والكتابة ويبقى أمياً، وهذا الحال لا يرضي أحداً.
حمد عبد العزيز الحميد
- باحث وكاتب رأي
- أول سعودي من ضعاف السمع يحصل على الماجستير في الإدارة العامة (M.P.A) والبكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة Gallaudet في واشنطن، بالولايات المتحدة الأمريكية
- محاضر سابق في قسم العلوم السياسية Gallaudet University
- لديه دورات علمية وتعليمية في مجال الصم وضعاف السمع
- حاصل على شهادة شرفية من منظمة الشرف للعلوم السياسية
- حسابه في تويتر:@PersonalHamad