وقع مندوبون عن 186 بلداً عضواً في المنظمة العالمية للملكية الفكرية على معاهدة دولية تقضي بتسهيل وصول المكفوفين وذوي الإعاقة البصرية إلى الكتاب على المستوى العالمي، وذلك في أعقاب المناقشات التي تمت بين الدول الأعضاء في المؤتمر الدبلوماسي للمنظمة العالمية للملكية الفكرية الذي عقد في مراكش بالمملكة المغربية في الفترة ما بين 17 إلى 18 يونيو 2013.
وتم التوصل إلى الاتفاقية بعد فترة من الإعداد والتحضير تواصلت على مدار عقد كامل، قبل أن يتم التوافق على إبرام المعاهدة خلال انعقاد المؤتمر الدبلوماسي للمنظمة العالمية للملكية الفكرية في مراكش بالمملكة المغربية، وطبقاً للإحصاءات المتوفرة لدى منظمة الصحة العالمية حول العمى وأمراض العيون، ثبت أن الإعاقة البصرية في تزايد مستمر، والمقلق في الأمر أن شخصا واحدا في العالم يفقد بصره كل خمس ثوان!! ووفقاً لأحدث إصدارات منظمة الصحة العالمية هناك أكثر من 285 مليون شخص ذي إعاقة بصرية على مستوى العالم، منهم 39 مليون شخص لديه كف بصر كامل.
إن هذه المعاهدة التي تتكون من ديباجة و21 مادة والتي قدمتها المنظمة العالمية للملكية الفكرية، جاءت بهدف التشجيع على إصدار ونشر كتب متاحة للأشخاص من ذوي الإعاقة البصرية، فعلى الرغم من أن العديد من الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية وضعت في قوانينها الوطنية لحق المؤلف استثناءات وتقييدات لفائدة الأشخاص ذوي الإعاقات البصرية أو الإعاقات الأخرى في قراءة المطبوعات، فإن النقص لا يزال ضخماً في المصنفات المتاحة في نُسخ قابلة للنفاذ في أنساق ميسّرة لأولئك الأشخاص، فمن بين مليون عنوان يتم نشرها سنوياً 5% فقط تعتبر ميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، لذا فقد جاءت هذه المعاهدة لتعالج هذا النقص.
وبموجب الاتفاقية يفترض إزالة كل العقبات المتعلقة بحقوق التأليف والنشر والتي أعاقت وصول النصوص المطبوعة وغيرها من الأعمال المنشورة على المستوى العالمي في صيغ تتيح للمكفوفين الاطلاع عليها من قبيل طباعة “برايل”، والطباعة بأحرف كبيرة، والملفات الصوتية.
وعلى الرغم من أن ديباجة المعاهدة قد أكدت بعدم التمييز وضرورة تكافؤ الفرص والنفاذ الميسّر والمشاركة الكاملة والفعالة والإدماج في المجتمع، المعلن عنها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقات، وتركيزها على حماية حق المؤلف فقد أقرت على أنه يتعين على جميع الدول التي صادقت على الاتفاقية تقديم إعفاءات من حقوق التأليف والنشر داخل كل دولة بما يتيح للهيئات الحكومية والمنظمات غير الربحية تحويل المصنفات المنشورة إلى نسخ يمكن للمكفوفين وذوي الإعاقة البصرية الولوج إليها، وتوزيعها عالمياً إلى هذه الشريحة من القراء، كما تنص الاتفاقية على منح المنظمات المختصة بالمكفوفين حرية المشاركة خارج حدود بلدانها في قوائم الكتب المتاحة بصيغ تتيح للمعاقين بصرياً الإطلاع عليها، وبشكل خاص ضمن البلدان النامية، حيث يتواجد ما نسبته 90 بالمائة من ذوي الإعاقة البصرية حسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية، وهو الأمر الذي يسمح للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية الوصول إلى الكتب المتاحة لهم مجاناً، ويعد بذلك تمييزاً إيجابياً لهم ولا يساوي بينهم وبين الأشخاص غير المعاقين بالإضافة إلى إشكالية هذه المعاهدة مع الناشرين.
لقد أكدت سعادة الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي المؤسسة والرئيسة التنفيذية لدار “كلمات” للنشر، والتي حلت ضيفة على المؤتمر بناء على دعوة المنظمة العالمية للملكية الفكرية على مخاوف الناشرين في هذه الاتفاقية وقالت في كلمتها: “نحن كناشرين نؤيد أهداف المعاهدة في تعزيز وصول شريحة ذوي الإعاقة البصرية إلى المواد المطبوعة، ولكن ما يزال هناك بعض المخاوف من احتمال تأثير هذه المعاهدة على حقوق الناشرين، حيث هناك العديد من القضايا ما تزال قيد التفاوض في هذا الشأن، وفي الوقت نفسه نشعر بارتياح تجاه بنود المعاهدة التي أكدت للمؤلفين والناشرين بأن هذا النظام لن يعرض أعمالهم المنشورة إلى أي سوء استخدام أو توزيع لأي جهة كانت سوى الشريحة المعنية بهذه الاتفاقية”.
وفي ظل هذه الإشكاليات هناك بعض النقاط حول المعاهدة التي تحتاج بعض المناقشة:
- مدى فائدة هذه الاتفاقية في ظل غياب بنود تلزم بالرصد والمتابعة، وبوجود اتفاقية قوية كاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي نصت في أكثر من بند من بنود على وجوب توفير وسائل المعرفة والتعبير ومنها الكتب بالأنساق المناسبة لكافة الإعاقات دون استثناء، وإذ تعتبر اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والصادرة في عام 2008 ووقعت عليها معظم دول العالم، من الاتفاقيات التي جاءت لتتوج سلسلة من الاتفاقيات والجهد الجماعي في تلبية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على مدى عقود، ما يجعل أهمية معاهدة مراكش ضعيفة في ظل وجود هكذا اتفاقية دولية ملزمة وذات آليات رصد ومتابعة للدول الموقعة.
- يغيب عن هذه الاتفاقية مبدأ المساوة، ويبرز هنا التمييز الايجابي للأشخاص ذوي الإعاقة، ويعتبر هذا الأمر من الأمور المرفوضة حقوقياً، فهذه الاتفاقية تنص على توفير الأنساق المناسبة من الكتب للأشخاص ذوي الإعاقة مجاناً، بينما المبدأ الأساسي في المساواة هو توفير هذه الأنساق ضمن تكلفة متساوية مع الأنساق المتوفرة للأشخاص غير المعاقين.
- تغيب عن هذه المعاهدة مسألة هامة مرتبطة بحقوق الناشرين، وكيفية ضمان وصول المؤلفات إلى مستحقيها فقط دون عن غيرهم من الأشخاص غير المعاقين، ودون التعدي على حقوق الناشرين، فهي مسألة لا نستطيع الجزم بها في ظل عدم معرفة عدد كبير من الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية بلغة برايل، واستخدامهم الوسائل الالكترونية والتي توفر الكثير مالياً مقارنة بالحصول على الكتب المطبوعة بلغة برايل حتى وإن توفرت، وأسهل في حملها وأنسب في الاستخدام. كما أن اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تلزم الأطراف بضرورة توفير تلك الوسائل للأشخاص ذوي الإعاقة بأسعار ميسرة ومعقولة، ويقوم عدد كبير من الدول بتوفير ودعم تلك الوسائل لمواطنيها من الأشخاص ذوي الإعاقة، وبالتالي علينا أن نتخيل في حالة توفير موقع الكتروني يوفر الكتب للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، سيكون من السهل على الأشخاص غير المعاقين أيضاً الحصول على الكتب بشكل مجاني.
- حسن النوايا: لاشك ان النوايا الطيبة لدى المنظمة العالمية للملكية الفكرية، وايمانها بالمسؤولية المجتمعية، والدور المجتمعي للناشرين هو ما دفعها للخروج بهذه المعاهدة، وهو ما يحسب لهذه المعاهدة، ولكنها من الناحية القانونية لا تحقق الكثير، بقدر اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والتي تعتبر في حجتها القانونية الثانية بعد دستور الدولة الموقعة عليها، أي أن القوانين المحلية المخالفة لبنود الاتفاقية تعتبر خللاً في التزام الدولة بالاتفاقية، وقد غطت الاتفاقية موضوع معاهدة مراكش.
ما الحل إذن؟؟
يحسب للمنظمة العالمية للملكية الفكرية مبادرتها الطيبة، وحماس الناشرين والأعضاء في المنظمة لقضية الإعاقة، وحرصهم الكبير على توفير الكتب للأشخاص ذوي الإعاقة، وجهد السنوات العشر الماضية في العمل على هذه المعاهدة، وخروج اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة إلى النور والتي تتصف بانها أكثر الاتفاقيات الدولية شمولية، يكسب هذه المعاهدة شكلاً ووزناً مختلفاً، وذلك من النواحي التالية:
- أولاً: لابد من الاعتماد على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة كمستند قانوني ومراعاة المبادىء الأساسية الواردة فيها، واعتبارها أساساً في بناء معاهدة مراكش.
- ثانياً: لتكن معاهدة مراكش وثيقة تنظم مسألة إتاحة الكتب للأشخاص ذوي الإعاقة بالاعتماد على المباديء الأساسية للاتفاقية، ولتأخذ شكلاً تنظيمياً غير ملزم، أو وثيقة شرف، فالمنظمة العالمية للملكية الفكرية لا تملك الكثير من الأدوات للمحاسبة.
ختاماً:
هذه المعاهدة تعتبر بادرة إيجابية جداً من منظمة دولية بحجم المنظمة العالمية للملكية الفكرية، ولاشك أن الالتفات لقضية الأشخاص ذوي الإعاقة، والتركيز على حقهم في الحصول على المعرفة يعتبر انتصاراً حقيقياً للأشخاص ذوي الإعاقة بشكل عام، ولكن هذا الجهد لا يجب أن يتم بمعزل عن الأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم والناشطين في قضية الإعاقة.
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”