تأثرت وحزنت كثيراً حين رأيت الكثير من الأشخاص الصم في الوطن العربي لا يتقنون القراءة والكتابة رغم وجود مدارس الصم منذ فترة طويلة، بينما الأشخاص الصم في الدول المتقدمة يجيدون لغتهم الوطنية ولغتهم الإشارية أيضاً، ويمكنهم الاندماج مع المجتمع العام والتواصل مع السامعين بشكل طبيعي.
عندما قابلت الكثير من الصم في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية وتحدثت معهم، وجدت أنهم متعلمون فعلاً ويملكون ثقافة عالية لأنهم ببساطة يقرؤون الكتب بنفس مستوى السامعين. بالإضافة إلى أنهم يدرسون في الجامعات مع الطلاب السامعين. الأبحاث العلمية تثبت أن الصم لديهم نفس مستوى الذكاء الذي لدى السامعين ولا يوجد فرق بين الأصم والسامع إلا اللغة، فلغة الصم الأولى هي لغة الإشارة، واللغة المنطوقة ـ أياً كانت ـ تعتبر اللغة الثانية للصم.
أعلم كل العلم أن المشكلة ليست في الصم العرب أنفسهم، بل لأن معظم معلمي الصم في الوطن العربي لا يتقنون لغة الإشارة رغم أنهم يعملون في مدارس الصم منذ فترة طويلة وجميع التجارب التعليمية فشلت فشلاً ذريعاً. قابلت بعض معلمي الصم في السعودية وسألتهم: لماذا تريدون العمل في مدارس الصم وأنتم لا تعرفون لغة الإشارة جيداً؟ لم أجد إجابات منطقية منهم وأقتنعت تماماً أنهم يريدون أن يعملوا في مدارس الصم من أجل زيادة نسبة الـ 30% إلى رواتبهم. أعتقد جازماً أن المسؤول الأكبر هو الجامعات وأقسام التربية الخاصة على وجه الخصوص لأن لديهم تخصص تربية وتعليم الصم بلا تدريب لغة الإشارة للطلاب قبل أن يتخرجوا ويعملوا في مدارس الصم.
من الواقع أقول إن الأشخاص الصم، الذين يتقنون القراءة والكتابة، يمكنهم الاندماج مع المجتمع العام والتواصل معه عن طريق لغة الإشارة أو اللغة الشفهية أو المكتوبة أو غيرها بطريقة ممكنة دون الإعتماد التام على مترجمي لغة الإشارة إلا بالضرورة فقط مثل المحاضرات والإجتماعات والمؤتمرات. أما التواصل معهم فرداً فرداً فلا يحتاج إلى مترجم لغة الإشارة.
أعلم جيداَ أن هؤلاء الصم العرب يفضلون التواصل بلغة الإشارة في كل مكان وزمان، وهذا حق من حقوقهم، ولكن الإعتماد على لغة الإشارة اعتماداً كبيراً وقلة ممارسة القراءة والكتابة لا تمكنهم من تطوير وتنمية لغتهم العربية ورفع مهاراتهم القرائية والكتابية. يتفق الجميع على أن القراءة والكتابة هي حجر الأساس في بناء معارف الإنسان والعلم والمعرفة والنهضة والتطور، ويكفي أن أول آية نزلت على رسولنا الكريم هي سورة (اقرأ) التي تحث بشدة على القراءة.
يدرك الجميع أن إهمال تعليم اللغة العربية للصم مضر ليس فقط للصم أنفسهم فحسب بل للمجتمع العام والوطن أيضاً، ويتفق الجميع على أن التعليم والتثقيف يعتمد أساساً على قراءة الكتب ومن يريد أن يتعلم ذاتياً فلا بد أن يتقن مهارات القراءة والكتابة أولاً وأخيراً.
من الملاحظ أن هناك مشروع القاموس الإشاري الجديد لتدريب المعلمين والمتخصصين ومترجمي لغة الإشارة وغيرهم في بعض الدول العربية وخاصة السعودية حيث أن المؤسسات الحكومية والخاصة تنفق الأموال الضخمة لدعم هذا المشروع. لا أشك أن هذا المشروع أمر عظيم من أجل مصلحة مجتمع الصم، ولكن الغريب في الأمر أنني قد لاحظت عدم وجود أي معهد للغة العربية للصم في السعودية باستثناء جامعة الملك سعود.
أود في هذا المجال أن أطرح هذه الاسئلة:
- كيف وجدت تلك الأموال الباهظة لمشروع القاموس الإشاري ولا يوجد أي مشروع لمعهد اللغة العربية للصم؟
- ولماذا يتم التركيز على لغة الإشارة وتفعيل القاموس الإشاري فقط دون النظر إلى إنشاء معهد اللغة العربية للصم؟
- وكيف نصنع مجتمعاً قارئاً؟ وكيف نجعل الأجيال الصم القادمة جيل قراءة؟
أخيراً، أطالب بإنشاء معهد اللغة العربية للصم والتوعية بأهمية القراءة لدى الصم وتشجيع الأطفال منهم على القراءة والاطلاع في سن مبكرة.
أجزم لو أن تلك الأموال أنفقت على مشروع إنشاء معهد اللغة العربية للصم وتدريب وتأهيل معلمي الصم ودعم الوسائل التقنية الحديثة التي تساعد على تقوية اللغة العربية للصم لما كان هذا المستوى المتدني في مهارات القراءة والكتابة. وليس من الإنصاف حرمان هؤلاء الصم من تعلم اللغة العربية وقراءة الكتب الأدبية والعلمية أنفسهم بأنفسهم بدلاً من الاعتماد شبه الكامل على الآخرين.
حمد عبد العزيز الحميد
- باحث وكاتب رأي
- أول سعودي من ضعاف السمع يحصل على الماجستير في الإدارة العامة (M.P.A) والبكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة Gallaudet في واشنطن، بالولايات المتحدة الأمريكية
- محاضر سابق في قسم العلوم السياسية Gallaudet University
- لديه دورات علمية وتعليمية في مجال الصم وضعاف السمع
- حاصل على شهادة شرفية من منظمة الشرف للعلوم السياسية
- حسابه في تويتر:@PersonalHamad