مرة أخرى وليست الأخيرة ترانا فيها مدفوعين للقول إن التشغيل والتوظيف هو الغاية التي نسعى إليها بكل جوارحنا لا تفتر هممنا تجاهها في أي وقت من الأوقات أو تحت أي ظرف من الظروف؛ طوال العام الدراسي أو في العطلة الصيفية.. نجحنا في هذا أو اعترضتنا الصعوبات.. فتحت الأبواب أمامنا أو أغلقت دوننا.
كيف لا ونحن نرى سنوات التعليم والتدريب والتأهيل تمضي مسرعة لا رجعة فيها ولا مجال ـ على الأقل في هذه اللحظة ورغم توفر النية ـ لإعادة النظر فيها خصوصاً وأن المستهدفين من كل ذلك هم حالات إنسانية تنمو وتكبر وتزداد احتياجاتها ويتعمق احساسها بإنسانيتها ومن كانوا تلاميذ صغاراً في الأمس هم اليوم شباب يقفون على أعتاب مرحلة هامة من أخطر المراحل التي يمر بها كل إنسان ولابد من المضي فيها قدماً فإما الانخراط في سوق العمل والخوض فيها وإما التسكع في الشوارع والطرقات والجلوس بين جدران البيت الأربعة والحرمان من كل الحقوق التي نصت عليها الدساتير والتشريعات.. اللهم إلا الحق في الاستمرار في الحياة والعيش عالة على الآخرين في نطاق الأسرة الضيق..
ولا نظن أن أحداً يقبل أياً من هذه الخيارات حتى لأبعد الناس عنه فما بالكم لأقرب الناس إلينا؛ أبناؤنا وإخوتنا ذوو الإعاقة.
نقول هذا الكلام لأن ما يقدم من حلول في هذا المجال لا زال دون المستوى المطلوب أنى سرحت ببصرك.. فأبناؤنا ينهون دراستهم في المعاهد والأقسام، وينتظمون بالتدريب الصيفي، ويثبتون جدارتهم، ويحصلون على الثناء والمديح على حسن أدائهم، وتتوالى التقارير عن مدى انضباطهم والتزامهم بالعمل ومواعيده، ودقتهم في انجاز كل ما يوكل إليهم من أعمال ومهام… و.. و.. كل هذا شيء عظيم يثلج الصدر ويدعو إلى الفخر إلا أنه أشبه بالأحلام الوردية الجميلة التي سرعان ما تتبخر وتتلاشى مع إشراقات الصباح الأولى..
ويبقى هاجس الحصول على فرصة عمل ثابتة ودائمة يستطيع بها أبناؤنا ذوو الإعاقة أن يبدأوا مشوار حياتهم القادم هو الحقيقة الساطعة التي لا مفر منها ولابد من التعامل معها.
وحتى لا تبقى الأمور عائمة إلى هذا الحد فإننا نقترح ريثما تتم إعادة النظر جذرياً في سياسة تعليم وتدريب وتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة على أسس قوية ومتينة منسجمة مع قدراتهم وامكاناتهم من ناحية ومتلائمة مع روح العصر ومتطلباته من ناحية أخرى أن يتم ـ وعلى أعلى المستويات ـ تكريم وتشجيع الجهات العامة والخاصة التي أسهمت في تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة أو تدريبهم، وأن تقوم هذه الجهات باستيعابهم وتوظيفهم مع اخضاعهم في الوقت ذاته لدورات تدريبية مكثفة في مواقع العمل وعلى الأعمال التي سيقومون بها، وأن يخفض الأهل سقف توقعاتهم لأبنائهم ويقبلوا لهم العمل في الوظائف التي تتناسب وتتلاءم مع قدراتهم.
كلمة أخيرة: إن منظر رجل شاب ذي إعاقة يخطو في المدينة متوجهاً إلى عمله بخطى ثابتة عيناه تبرقان ولسانه ينطق: (أنا في طريقي إلى عملي) هو أفضل مكافأة يمكن أن نحظى بها.