يوافق الثاني عشر من كانون الأول / ديسمبر من كل عام اليوم العالمي (للتغطية الصحية الشاملة)، والتي تعني بكل بساطة العمل المجتمعي من أجل ضمان حصول جميع الناس على الخدمات الصحية التي يحتاجونها بما فيها الخدمات الصحية التعزيزية والوقائية والعلاجية والتأهيلية والملطفة، ذات جودة تكفي لأن تكون فعّالة، دون أن يتسبب ذلك في حدوث عجز مالي لديهم.
لا شك أن تحقيق ذلك يتطلب نظاماً صحياً قوياً وفعالاً، وإدارة جيدة تفي بالاحتياجات الصحية ذات الأولوية من خلال الرعاية المتكاملة التي تركز على الناس، وتأخذ بعين الاعتبار حاجات جميع شرائح السكان في المجتمع.
نعم، إنه نفس الموضوع الذي اختارته (منظمة الصحة العالمية) في (يوم الصحة العالمي) الذي يوافق 7 نيسان / أبريل 2018، وهكذا تؤكد فيه أكثر من أي وقت مضى، منذ تأسيسها قبل سبعين سنة، أن رؤية (الصحة للجميع) التي نسعى إليها على مدى عقود، لا يمكن أن تتحقق ما لم ننجح في تحقيق (التغطية الصحية الشاملة) للجميع وفي كل مكان. فالصحة وفق التعريف الذي نشأت عليه (منظمة الصحة العالمية) هي (حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرد انعدام المرض أو العجز).
من المعروف لدينا، أن (التغطية الصحية الشاملة) تؤثر إيجابياً على حياة السكان بكل جوانبها الصحية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، لذلك تعد عنصراً أساسياً لتحقيق التنمية المستدامة والحد من الفقر، وعنصراً ضرورياً في أي جهد يسعى إلى تقليل الفوارق الاجتماعية بين أبناء المجتمع.
كما ذكرت سابقاً، وفي أكثر من مناسبة، أن هذا التعريف يتضمن ثلاثة أهداف رئيسة:
- الإنصاف في الوصول إلى الخدمات الصحية ـ أي أنه ينبغي لمن يحتاجون هذه الخدمات أن يحصلوا عليها، وليس فقط من يستطيعون دفع كلفتها؛
- أن تكون جودة الخدمات الصحية جيدة بما يكفي لتحسين صحة من يتلقون هذه الخدمات؛
- الحماية من العجز المالي ـ أي ضمان أن كلفة الرعاية لن تسبب مصاعب مالية تهدد معيشة المجموعات السكانية الأقل دخلاً.
تستند (التغطية الصحية الشاملة) بقوة إلى (دستور منظمة الصحة العالمية) الذي أعلن منذ 70 سنة أن الصحة هي حق من حقوق الإنسان الأساسية، وكذلك إلى شعار (الصحة للجميع) الذي حدده إعلان (ألما-آتا) قبل أربعين سنة، بإجماع دول العالم. وتزداد الحاجة إليها عند المجموعات الواقعة خارج مظلة (التغطية الصحية الشاملة) لاسيما العاملين في القطاع الأهلي أو الخاص وغيرهم كالأشخاص ذوي الإعاقة، وكبار السن، وذوي الأمراض المزمنة غير السارية.
تزداد الحاجة في بلادنا العربية إلى مظلة (التغطية الصحية الشاملة) بسبب افتقار مجموعات كبيرة في المجتمع للخدمات الصحية ليس فقط في البلاد التي تشهد كوارث طبيعية، وتلك التي تشهد نزاعات مسلحة أو في البلاد ذات الدخل المنخفض بل أيضاً في البلاد مرتفعة الدخل حيث العمالة الوافدة والتباين الهائل بين مجموعات السكان وغيرها. إن غياب (التغطية الصحية الشاملة) جزئياً أو كلياً يشكل تحدياً كبيراً أمام جهود الحد من الفقر وتحقيق التنمية المستدامة وفق رؤية 2030.
رغم المشاركات العربية في العديد من الفعاليات العالمية والإقليمية التي نظمتها منظمة الصحة العالمية مثل (التوجهات الاستراتيجية لتحسين تمويل الرعاية الصحية في إقليم شرق المتوسط – التحرك نحو توفير التغطية الشاملة 2011 ـ 2015)، وغيرها من الاجتماعات الإقليمية، وحلقات العمل، والدراسات، فإن هذا الموضوع الحيوي لايزال محدوداً في السياسات الصحية الموضوعة وفي برامج التشاركات الحكومية والأهلية مع القطاع الخاص، هذه التشاركات تشكل حجر الزاوية على طريق تحقيق (التغطية الصحية الشاملة)، خاصة أن الأمم المتحدة قد أقرت عقد قمة على مستوى عال حول ذلك خلال جلسة الجمعية العمومية المقبلة في نهاية عام 2019.
في هذا اليوم، اليوم العالمي (للتغطية الصحية الشاملة)، تكاد تغيب الفعاليات الإعلامية، والصحية والبحثية في منطقتنا العربية عن مشهد الفعاليات العديدة التي تقام بهذه المناسبة في جميع أنحاء العالم لرصد ما تم تحقيقه من انجازات، الأمر الذي يدعونا كمؤسسات حكومية وخاصة ومنظمات المجتمع المدني إلى بذل المزيد من الجهود وبناء التحالفات التشاركية للشروع في بناء مظلة (التغطية الصحية الشاملة).
نعم، الآن هو الوقت المناسب للعمل الجماعي، فالتنمية المستدامة في المجتمع لايمكن أن تتحقق ما لم تشمل المظلة الصحية الجميع، وفي كل مكان.
طبيب بشري حائز على شهادة الماجستير في طب الأذن والأنف والحنجرة وجراحتها، والبورد السوري، بالإضافة إلى الدراسات العليا من جامعة برمنجهام في المملكة المتحدةBirmingham, UK، وهو من الناشطين في المجتمع المدني العربي والدولي، له إسهامات طبية وثقافية وإنسانية عديدة، إلى جانب الكتابة باللغتين العربية والإنجليزية.
له عدة إصدارات في مجال الإعاقة السمعية، والبصرية، كما نشر المئات من المقالات والأبحاث في الصحة، والإعاقة، والعمل الإنساني والحقوقي وجوانب ثقافية متعددة.
شارك في تأسيس وإدارة وعضوية (الهيئة الفلسطينية للمعوقين)، (الرابطة السورية للمعلوماتية الطبية)، (الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم)، اللجنة العلمية لنقابة أطباء دمشق، وهيئة تحرير (المجلة الطبية العربي)، ولجنة الإعاقة بولاية كارولينا الشمالية للسلامة العامة، قسم إدارة الطوارئ، وعضو جمعية نقص السمع في منطقة ويك، ولاية كارولينا الشمالية، وعضو لجنة العضوية في تحالف الأطباء الأمريكي، ومستشار مؤقت لمنظمة الصحة العالمية إقليم المتوسط في القاهرة للمؤتمر الإقليمي (أفضل الممارسات في خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأشخاص المعوقين)، القاهرة، مصر (نوفمبر 2007)، كما شارك في كتاب (مواضيع الشيخوخة والإعاقة)، منظور عالمي، إصدار لجنة الأمم المتحدة غير الحكومية للشيخوخة، نيويورك 2009.
(http://www.ngocoa-ny.org/issues-of-ageing-and-disabi.html)
وقد حاز الدكتور غسان شحرور خلال مسيرته على:
- درع الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم، 2000.
- جائزة الإمارات العالمية التي يرعاها الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعمل الطبي الإنساني عام 2002.
- درع الأولمبياد الخاص، بمناسبة تشكيل الأولمبياد الخاص الإقليمي، 1993.
- براءات التقدير والشكر من منظمات الإعاقة والتأهيل في مصر، الإمارات، قطر، تونس، والكويت وغيرها.
- منظم ومدرب (مهارات التقديم المتطورة للعاملين الصحيين والأطباء)، رابطة المعلوماتية 2006.
- جائزة نجم الأمل العالمية، للإنجازات في مجال الإعاقة، مؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة اتفاقية أوتاوا، كارتاجنا، كولومبيا 32 ديسمبر / كانون الأول 2009.
- أختير ضمن رواد المعلوماتية الطبية في العالم وفق موسوعة (ليكسيكون) الدولية 2015،
Biographical Lexicon of Medical Informatics ،
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4584086/