هل يحتاج الطفل من ذوي الإعاقة دوماً أن يقول أنا أستطيع، كي يستوعب الآخر أنه فعلاً يستطيع؟؟؟
هل هو قدر محتوم على الطفل من ذوي الإعاقة أن يتكبد مشقة السؤال وعناء التفسير والتبرير؟؟؟
هل هي لعنة خفية ابتلي بها من حيث لا يشاء… يحاول دائماً أن يبحث عن توازناته النفسية في مجتمع اختلت فيه كل الموازين وانهارت فيه القيم؟؟؟
وهل يستطيع في كل مرة يحترق فيها بنار السؤال، أن يجد أجوبة شافية لأسئلته؟
أم أنه أقل من أن يظفر بنعيم الراحة النفسية التي ينعم بها الأطفال من غير ذوي الإعاقة الذين يفجر كل سؤال من أسئلتهم كرنافالات من الضحك والاحتفاء والتباهي من قبل العائلات الفخورة بذكاء الأبناء الأشقياء؟؟؟
نعم، لا أحد يستطيع أن ينكر أن معظم العائلات قد خطت أشواطاً كبيرة في الوعي بوضعية الطفل من ذوي الإعاقة وحقه في حياة كريمة ومستقرة ومستقلة في الآن ذاته، لكن هذا لا يكفي لرفع الضيم الاجتماعي والنفسي والأخلاقي الذي ما يزال مسلطاً على هذه الشرائح؛ بعضها أو كلها، ضيم قد نستشفه من حركة أو كلمة أو اشارة أو حتى إيماءة… مما لا يتسنى لحزمة التشريعات المرصودة للدفاع عن حقوق الطفل من ذوي الإعاقة أن تصنفها ضمن المخالفات القانونية أو أن تعتبرها من باب التعدي على حرمة هذا الطفل… مع ذلك… هل يمكننا أن نجاري هذا الصمت وهذا التعالي على حقوق الطفل من ذوي الإعاقة النفسية والاجتماعية والتعاطي معها بالصبر والعزيمة والصمت الرهيب؟؟؟
… نعم هي مشكلة وعي… هي مشكلة جذرية لا يمكننا بأي شكل من الأشكال أن نعالجها بحلول سطحية أو ترقيعية أو بتنظيم بعض الأنشطة أو الندوات أو رصد بعض الأموال لتوزيعها على من يسمونهم (ذوي احتياجات خاصة) أو بعزلهم في مراكز إيواء أو تكوين أو تعليم قد يبدو للبعض أنها مراكز مخصصة للنهوض بهذه الشرائح وإدماجها ومساعدتها على الانخراط في المجتمع، لكن هي بعكس ذلك قد تتحول في لمح البصر إلى مقبرة تدفن أحلام هؤلاء الأطفال الذين لا ذنب لهم سوى أنهم خلقوا حاملين لإعاقة أو نقص ما.
ينشأ الطفل من ذوي الإعاقة عادة معزولاً عن العالم الخارجي مقيداً بجملة من الضوابط والمكبلات التي عوض أن تسهل اندماجه، تزيد من عقده وترفع حساسيته وتبني حواجز سميكة بينه وبين نفسه قبل أن تتعدى لتتحكم في علاقاته مع الآخرين بدءاً بأسرته الضيقة وصولاً إلى المحيط الخارجي الذي لا يتدرج فيه إلا بعد حيز زمني متأخر ومبالغ فيه أحياناً. كل هذه الضوابط والمعاملة الاستثنائية للطفل من ذوي الإعاقة تفقده ثقته بنفسه وبالمحيطين به وترسخ فيه عقيدة العجز والفشل والقصور… بل وتحمله على التواكل وتجعله يتهرب من المحاولة لأنه مسكون سلفاً بهاجس الخوف من الفشل… كيف ننتظر إذن من هذا الطفل أن يقدم وأن يحاول وأن يعول على نفسه فيبدع وينجح ويتميز؟؟؟… كيف نطلب منه أن يبني شخصية مستقلة ومتوازنة وهو يعيش جملة من الاضطرابات النفسية والاجتماعية؟؟؟
ستكون حتماً مفارقة مثيرة للسخرية والتقريع… وهنا يصير من أكثر الأمور تأكيداً أن نعود العائلات والأهالي أن الطفل من ذوي الإعاقة طفل كغيره من الأطفال لا فرق بينه وبين الطفل من غير ذوي الإعاقة سوى أن الله قد اختصه بخصيصة تميزه عن غيره… وألح على كونها خصيصة وليست نقيصة… جل سبحانه أن يبخس خلقه أو ينقص عليهم شيئاً… لن يكون من السهل علينا أن نعود شخصاً ما على تقبل إعاقة ابنه الذي طالما حلم أن يراه متميزاً وناجحاً ومتفوقاً عبقرياً وربما فناناً… لن يكون سهلاً أن تقنعه أن تلك الإعاقة قد تكون هي العنوان الرئيس لكل تلك النجاحات… برأيي سيكون من الضروري أن يتلقى أولياء أمور الأطفال ذوي الإعاقة دروساً في التربية النفسية وعلم النفس التربوي ودروساً في التعامل مع الإعاقة كي لا يصطدم الطفل بمواقف قد تجرحه من حيث لا يحتسب أهله… فالحركة التي قد تبدو لنا حركة عادية وبسيطة قد يجد فيها الطفل من ذوي الإعاقة إهانة أو استنقاصاً وقد تجرح كرامته… نعم يستطيع… الطفل من ذوي الإعاقة يستطيع أن يعيش وينجح ويبدع كغيره من الأطفال… يكفي أن يغمره أهله بما يكفي من الحنان والدفء والثقة التي ستعوضه نقصه وتجعله يحرص أن يكون أهلاً لتلك الثقة… سيتحدى نقصه وضعفه ويخلق من الإعاقة منطلقاً للإبداعات الخارقة…
ولنا على هذه النجاحات أمثلة كثيرة ومتنوعة الهويات والاختصاصات، سنحاول أن نفصل فيها القول في مقالات لاحقة لتكون شواهد ملموسة على ما نقول وكي لا يصنف حديثنا هذا ضمن الكلام العاطفي والمواقف الانفعالية المتعالية على الواقع ومشاكله…
وتبقى الرسالة الأهم والأخطر والأصدق هنا أن من ذوي الإعاقة، هو طفل يحمل رايات النجاح والتميز الذي لم يتسن لغيره والذي يجب أن يتشارك الكل من أسرة ومجتمع مدني ومختصين نفسيين واجتماعيين وأفراد ومفكرين لاكتشافه وتهيئة الظروف الملائمة والطيبة لظهوره…
سناء حميدات، أستاذة وباحثة بالجامعة التونسية، متخرجة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس قسم اللغة العربية وآدابها، اختصاص أدب حديث، عضو وحدة الدراسات السردية وتحليل الخطاب بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة.
- أعمل حالياً ملحقاً بوزارة الثقافة والمحافظة على التراث، وأكتب بعض المقالات في بعض الصحف والمجلات الأدبية والثقافية في تونس وفي العالم العربي.
- أنجزت عدة أبحاث بعضها نشر وبعضها قيد النشر، ومن أهمها: (نقد نظرية الاستخلاف.. علي عبد الرازق أنموذجاً)، مركزية الهامشي في رواية (موال البيات والنوم) للروائي المصري خيري شلبي، الذاتية والنصوص الموازية، قراءة في عتبات (شرفة العار) للأديب الفلسطيني ابراهيم نصر الله، القصصية وتعدد الأصوات، قراءة في رواية (رأس المحنة) للأديب الجزائري عز الدين جلاوجي، لعبة الحياة والموت في رواية (سيدة المقام) لواسيني الأعرج، قراءة سيميائية في نعي جمال الغيطاني،.. وغيرها من المقالات التي حاولت فيها تقديم قراءات لبعض النصوص السردية وخاصة منها الروايات التي لها وزن بارز في الساحة النقدية العربية عموماً والتونسية خصوصاً.
- أجريت جملة من الحوارات مع كبار الأدباء والمثقفين العرب وذلك في إطار سعيي لتقديم رؤية للعالم وللأدب انطلاقاً من عيون الأدباء وكبار الكتاب والمفكرين. ومن هذه الحوارات حوار مع الأديب المصري خيري شلبي وكان آخر حوار أجراه قبيل وفاته، حوار مع الأديب المصري الكبير جمال الغيطاني، حوار مع الأديب والروائي السوداني أمير تاج السر، حوار مع الروائي الكويتي سعود السنعوسي، حوار مع الدكتور مهدي مبروك وزير الثقافة السابق في تونس والرئيس الحالي للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فرع تونس، حوار مع الأديبة والباحثة الفلسطينية سحر خليفة. وتواصلت مع الأديب الكبير ابراهيم نصر الله وقد أبدى موافقته على إجراء حوار، إلى جانب الأديب الجزائري واسيني الأعرج والسعودي عبده خال والأديب الليبي محمد الأصفر والمغربي محمد برادة.
- أجري أيضاً مجموعة من الأبحاث آمل أن ترى النور قريباً، منها صورة الأعمى في الشعر الحديث ومكانة المرأة في أدب المهجر، إضافة إلى اهتمامي ببعض المسائل التربوية والثقافية مثل مسألة إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة والفئات المهمشة والمستضعفة في المشهد الثقافي العربي.