بعد انتهاء قمة مجموعة الثمانية الكبار G8 (2008) ظهرت الكثير من الاحتجاجات المناوئة للعولمة تناولت قضايا مثل التدهور البيئي واستغلال جهد العمال من جانب مؤسسات صناعية صغيرة تمنح أجوراً منخفضة ولا تتوفر فيها ظروف صحية ملائمة فضلاً عن الهيمنة الغربية الرأسمالية المزعومة.
ويرى البعض أن تعاظم الرفاهية المادية بسبب العولمة أمر سطحي وتافه، وفي بعض الأحيان يعمدون إلى اقتباس عبارة قالها وليم وردزورث William Wordsworth (نشعر أن قوانا تخور ونحن نخوض عمليتي الكسب والإنفاق)، وتتضمن عملية المقايضة هذه تقليص التمييز الثقافي وزيادة حالة عدم الاستقرار في المجتمع فضلاً عن وجود منتجات ثقافية ثانوية لا قيمة تذكر لها.
من هنا نرى صواب ما ذهب إليه المحتجون على قمة الثمانية لما للعولمة من مثالب رغم محدوديتها قياساً بما ينشأ عنها من منافع.
والعولمة عملية تجريبية لابد أن تنتج عنها الكثير من المشاكل السياسية لأن عملية (التدمير الإبداعي) تؤدي دوماً إلى زعزعة الوضع الراهن، غير أن الحوافز ذات العلاقة تعني الكثير فلو أن الناس أصبحوا أكثر ثراء بفعل ما يحوزونه من ثروات فإننا عندئذ سوف نكون أفضل حالاً، أما إذا أصبحوا أكثر ثراء جراء إعادة توزيع الثروات فإن الحال لابد أن يكون سيئاً.
إن رؤىً مثل هذه يمكن أن تطبّق أيضا على العولمة الثقافية حيث تطرق كل من براين كابلان Bryan Caplan وتايلر كاون Tyler Cowen في مقال لهما نشر في الدورية الموسومة American Economic Review (2004) إلى أهمية المنافسة الثقافية العالمية، فإذا عمدنا إلى منع مثل هذه المنافسة فإننا سوف نحرم أنفسنا من صيغ ثقافية جديدة فضلاً عن عدم معرفة ما يدور في بقية أرجاء العالم.
ولعل ما يدعو للقلق أن العولمة المتنامية تخلق أسواقاً استحواذية للإنتاجات الثقافية وربما تؤدي العولمة إلى خلق أسواق مناسبة يمكن أن يجد فيها المرء ما تصبو إليه نفسه وإن اقتصرت موجوداتها على فئة قليلة وهو أمر لا يلتفت إليه المحتجون على انعقاد قمة الثمانية.
إن مفتاح وجود بيئة ثقافية رصينة يتجسد في المحافظة على المؤسسات التي تعمل على تواصل عملية البحث وليس السعي لتجميد الزمن الثقافي، أما عملية السوق فيتم من خلالها إظهار وسائل فعالة للإنتاج، وفي هذا السياق يشير أف. أ. هايك (F.A. Hayek) الحاصل على جائزة نوبل (1973) أننا لا نحوز على معرفة مثل هذه وبناء عليه فإن العمل على تشجيع التجريب ـ وهذا يعني احتمالية الفشل ـ يعتبر أمراً جوهرياً لعملية الاكتشاف.
وتشير المعلومات الواردة من استطلاعات الرأي المختلفة إلى أن الناس لا يثقون على العموم بالعولمة، وفي هذا السياق يشير براين كابلان في كتابه الموسوم (أسطورة المقترع العقلاني) The Myth of the Rational Voter إلى أن الناس يتبنون بشكل منتظم وجهات نظر متحيزة حيال العمليات الاقتصادية وهو أمر يتضح لدى استعراضنا الصحف أو المجلات لنجد أن الناس يعمدون إلى استثمار موارد ضئيلة للغاية في مسعى منهم للمحافظة على الوضع الراهن رغم أن هذه الموارد تضيع سدى من الناحية الاجتماعية.
وربما تتصف التجارة العالمية في مجال الثقافة والأخلاقيات بالنبالة فالاقتصادي جون ستيوارت ميل John Stuart Mill (القرن التاسع عشر) يرى أن (التأثيرات الناجمة عن التجارة تبز في أهميتها منافعها الاقتصادية لكونها تحمل الطابعين الفكري والأخلاقي)، ويشير أيضاً إلى أن التجارة قد حلت محل الحرب بصفتها الطريقة الرئيسية التي تمتزج الثقافات بفعلها بعضها بالآخر لذا فإن الفرص المتاحة لنا لتحسين (فنوننا أو ممارساتنا) فضلاً عن (خواص شخصياتنا) تزداد اتساعاً.
ويتعرض الاقتصاديون إلى انتقادات بسبب إيمانهم الأعمى المزعوم بالسوق خاصة من جانب المحتجين على مجموعة الثمانية، غير أن حماستنا إزاء عمليات السوق لا تمثل إيمانا مطلقاً أو تشي بعبودية أيديولوجية إنما تعبّر عن إقرار متواضع مفاده أن المعرفة الإنسانية لا يمكن أن تكون كاملة بحيث تنطلق منها حلول مثالية للمشاكل الاجتماعية الواسعة.
ولاشك أن السوق لا يمثل هدفاً بذاته إنما هو وسيلة تنشأ عنها أفضل الوسائل فاعلية لحل المشاكل مثلما أشار كل من هايك ومعه اقتصاديون بارزون مثل وليم أيسترلي William Easterly الأستاذ في جامعة نيويورك وجيمس بوشانان James Buchanan الحائز على جائزة نوبل عام 1986 الذي يرى أن جوهر عملية السوق يتمثل في تحديد الترتيبات التي تفضي إلى بلورة النظام وإلى استبعاد الترتيبات التي لا تؤدي إلى مثل هذا النظام.
وعلينا ألا نشعر بالغيظ إزاء الحرمان الأخلاقي والثقافي المزعوم ذي الصلة بالعصرية بل لابد من المحافظة على العمليات والأعراف التي تؤدي إلى تطوير الفن والثقافة.
المصدر
www.independent.org/newsroom/article.asp?id=2
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.