الاهتمام بالانسان من ذوي الإعاقة وابراز دوره في مناشط الحياة المختلفة.. واعطاؤه أحقيته في التفاعل الثقافي والاجتماعي والوظيفي، والنظر إليه كإنسان في القدرة على الانتاج والعطاء والفاعلية.. من الأساليب التي تنتهجها الدول المتحضرة التي تكرس جل جهودها المادية والبشرية في انتاج الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تخدم فئات الإعاقة لتعزيز دور أصحابها الايجابي في مناحي الحياة، وأخذ موقعهم الطبيعي والشعور بأنهم أفراد يتفاعلون مع المجتمع لا ينفصلون عنه، لهم واجباتهم وحقوقهم، وله عطاؤهم وانتاجهم، له آمالهم وطموحاتهم.. لأنها تنظر إلى كل فرد منهم كإنسان يستطيع ممارسة حقوقه في الحياة متى أتيحت له الفرص ووفرت له الامكانيات، وأزيلت من أمامه الترسبات الفكرية والاجتماعية..
ولنرى.. كيف نتعامل نحن كمجتمعات نامية مع هذا الإنسان هل نتبع المنهج الصحيح والسليم في العلاقة والتفاعل مع هذا الإنسان؟! هل يأخذ مساره الطبيعي في الحياة من ناحية الحقوق والواجبات ويعامل كالآخرين؟ وهل استطعنا توظيف الأجهزة الحديثة لخدمة هذا الإنسان وتحسين وضعه؟ وهل استطعنا تحقيق الثقة الذاتية داخله ليمارس حقه العملي والوظيفي!! أم أن الثقة تقف فقط عند نهاية تدريبه وتأهيله!!
وأسئلة أخرى يطرحها الواقع، والإجابة عليها تتطلب صفحات لسرد الخدمات التأهيلية التي تقدم لهذا الإنسان منذ تأسيس المؤسسات والمراكز الخاصة به حتى هذا اليوم ومدى فاعليتها عليه وتأثيرها على المجتمع!! ولا ننسى الاحتفال السنوي كالعادة باليوم العالمي للإعاقة للتذكير والتنويه بوجوده، ولكن هل يحقق هذا اليوم الأهداف الإنسانية لخدمته.
ولا ننكر ما يفرزه هذا اليوم من احتفالات ومناشط ثقافية واجتماعية وترفيهية سواء من خلال الكتابة بالصحف، أو بإقامة المعارض وعقد الندوات والمحاضرات أو اصدار الكتيبات والنشرات أو تنظيم الزيارات وتقديم الهدايا.. ولكن!! هل يعزز ذلك كله خدمة ودور الشخص المعاق؟!
إن أساليب التعامل مع الإنسان من ذوي الإعاقة لا تتطلب جهوداً لإبراز هذا اليوم لأنها وقتية تنتهي بانتهاء الموقف، ولا تقف عند التأثير به بالمشاهدة والعبارات المؤثرة والتي تتبخر في الهواء بانتهاء الموقف.. وإنما العلاقة ما بين المجتمع والشخص من ذوي الإعاقة أعمق من ذلك باعتباره جزءاً لا ينفصل عنه له حقوقه وواجباته… واحتفالنا السنوي باليوم العالمي للإعاقة اقتداء ومسايرة مع دول العالم إنما هو نوع فقط من الإحساس بوجوده، فلم يعطه حقه كاملاً كإنسان فهي مجرد شكليات مؤقتة سرعان ما تفقد بريقها الإنساني والاجتماعي.
إن العلاقة ما بين تلك الفئة وبين المجتمع بالإضافة إلى الوسائل والخدمات التعليمية والتأهيلية التي تقدمها المراكز والمؤسسات الخاصة، والتي تصاحبه منذ طفولته أو منذ بداية إعاقته تقوم على عملية الدمج والانخراط العملي والوظيفي داخل المجتمع بكل قطاعاته.. تقوم على أساس التوعية المستمرة للأسر التي تحتضن داخلها انساناً معوقاً، لإزالة وشاح الخجل الذي يقطن داخل البيئة الأسرية التي يعيش داخلها وتقوم على اعطائه الثقة الذاتية باعتبار أنه قادر على الانتاج والبناء ومسايرة الواقع بكل معرفته لتحطيم حاجز الإعاقة والعجز وإذابة التربيات الأسرية التي يتوارى في وحلها خجلاً، والتي تشعره بالضعف والعار والهزيمة ولا تتكرم عليه إلا بأسلوب الشفقة والعطف والصدقة. وتقوم على أساس تحضير الأجواء المكانية التي ينخرط ويندمج داخلها كالأسواق والمرافق العامة والوزارات والمؤسسات وتوفير المعدات والوسائل والتسهيلات التي تعينه على أداء مهامه بنفسه دون الاعتماد على الآخرين وخاصة في موقع العمل.
التي وفرت له داخل المجتمع للتغلب على الإعاقة، وممارسة حقه في الحياة.. يحتاج دعوة إلى الأسر التي تحتضن إنساناً معاقاً: كفاكم خجلاً وكفاكم شفقة ودموعاً واهمالاً فالشخص من ذوي الإعاقة يحتاج إلى إزالة الأسوار الأسرية في التعليم والتدريب والتأهيل.. إلى الاندماج داخل المؤسسات والمراكز التعليمية والتدريبية والتأهيلية إلى من يقف معهم بثبات وثقة ليدافع عن حقوقه وقضيته.. يحتاج إلى وعي فكري وضمير حي يقتلع الأشواك والعراقيل من أمامه ويشعره بوجوده.
إنها دعوة إلى المؤسسات التربوية والاجتماعية والإعلامية والوزارات الأخرى إلى ضرورة التعاون مع الجمعيات والمراكز الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة والتي لا تألو جهداً في العطاء والانتاج لخدمة هذا الانسان لتحسين وضعه باعتباره واجباً انسانياً واجتماعياً،. وإعادة الثقة إلى نفسه باعتباره انساناً له كيانه وشخصيته كإنسان..
فمتى نعيد له الثقة؟! ومتى نساير المجتمعات المتطورة والمتحضرة في مجال استخدام التكنولوجيا الحديثة الخاصة لنجدة الإنسان المعاق.
قطر