إن إصابتي الحقیقیة، لیست في بصري الذي فقدته مذ خرجت إلى الحیاة، إنها في المجتمع الذي یأبى أن یتقبلني كما أنا مواطنةً عادیةً
الخامس عشر من تشرين الأول / أكتوبر هو اليوم العالمي للعصا البيضاء الذي كثيراً ما يغيب عن وسائل إعلامنا العربية. في هذا اليوم السنوي، تقيم الجمعيات والمؤسسات والمراكز التي تعنى بالأشخاص كفيفي وضعيفي البصر الندوات والفعاليات الإعلامية الحقوقية للتعريف بالإنجازات التي أمكن تحقيقها، كما تلقي الأضواء على الصعاب والتحديات التي تواجه الأشخاص المكفوفين وضعيفي البصر في حياتهم وذلك من أجل كسب دعم المجتمع لتخفيفها والتغلب عليها، وفي الوقت نفسه يذكرنا هذا اليوم بقدراتهم، وحقوقهم في الحصول على فرص متكافئة أسوة بباقي المواطنين.
ومع مرور الوقت أصبح هذا اليوم كما العصا البيضاء يرمز ويعني كل ما يساعد الأشخاص المكفوفين وضعاف البصر على تعزيز الاستقلالية والاعتماد على الذات، وبشكل خاص برامج (التعرف والتنقل) Mobility & Orientation، ودورها في اكتساب الأشخاص المكفوفين أكبر قدر ممكن من الاستقلالية والنمو الذاتي والمعرفي والاجتماعي والسلامة الشخصية في بيئتهم وأثناء تجوالهم وتنقلهم الأمر الذي يمكنّهم دون شك من التمتع بالمزيد من فرص المشاركة المجتمعية والمساواة.
نعم لقد تحققت الكثير من الإنجازات في ميادين حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وخاصة المكفوفين في مجتمعاتنا العربية، بفضل الجهود الحكومية والأهلية ومنظمات الأشخاص ذوي الإعاقة لا سيما خلال (عقد الأمم المتحدة للمعوقين 1983 – 1992)، وبرنامج العمل المرافق له، وبعد اعتماد (القواعد الموحدة بشأن تحقيق تكافؤ الفرص للأشخاص ذوي الإعاقة عام 1993)، وبعد المصادقة على (اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة) التي دخلت حیز التنفیذ في 3 مايو / أيار 2008، ورغم ذلك لا تزال الحاجة كبيرة لتعزيز الاستقلالية والاعتماد على الذات من خلال اعتماد برامج (التعرف والتنقل) للأشخاص المكفوفين، لا سيما المرأة الكفيفة لأنها الأكثر تهميشاً، والأقل فرصاً في التعليم والتأهيل والتشغيل، كما أنها الأقل وصولاً إلى الخدمات الصحية والاجتماعية، والأكثر تعرضاً للعنف والاستغلال والإهمال.
رغم تأكيد (اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة) التي صادقت عليها الدول العربية في المادة 20 المتعلقة بالتنقل الشخصي، والمادة 24 المتعلقة بالتعليم، فإن برامج (التعرف والتنقل) للأشخاص المكفوفين وضعاف البصر، تكاد تغيب عن معاهدنا ومراكزنا، كما تفتقر مجتمعاتنا إلى برامج إعداد المدربين والمختصين بالتعرف والتنقل، وإلى الوسائل التعليمية والمطبوعات اللازمة الملائمة لبيئتنا، والبرامج التدريبية الموجهة إلى الأهل من أجل تمكينهم للقيام بمساعدة ذويهم.
قد يواجه الأشخاص المكفوفون مجتمعاً ينظر إليهم بعين العطف والشفقة والتمييز، لذلك نادراً ما يتلقون الخدمات التي تكفلها حقوقهم الأساسية في تشريعاتنا الوطنية واتفاقياتنا الدولية، الأمر الذي يضعف من استقلاليتهم، ومن فرص التحاقهم بالمعاهد التعليمية والتأهيلية والاجتماعية ومن ثم فرص العمل والمشاركة المجتمعية الفاعلة بشكل عام.
وكما نعلم جميعاً، لم يحل فقد حاسة البصر لدى العديد من الأشخاص المكفوفين دون التفوق والإبداع، ولم يكن ذلك ممكنا لولا إرادتهم القوية ومساندة أُسرهم ومجتمعاتهم، ولا يقتصر هذا النجاح على المبدعين والموهوبين منهم، وإنما يمتد إلى سائر المجتهدين والمثابرين منهم، كبعض المعلمين والمربين، والحرفيين المهرة، ورجال الدين وغيرهم، ولا يغيب عن ذاكرتي أكثر من معلمة، وربة منزل، وطالبة من المكفوفات المتفوقات في الحياة والمجتمع.
نعم، رغم الأعباء الثقيلة التي تقع على كاهل مؤسساتنا الصحية والتعليمية والاجتماعية والإعلامية، لاسيما في الدول التي تشهد نزاعات مسلحة وأعداداً هائلة من النازحين واللاجئين فإننا نتطلع إلى عدم إغفال حاجات وحقوق هذه الفئة من المجتمع، لاسيما في التربية والتعليم والاحتواء، كذلك نتطلع إلى دور أكبر لوسائل الإعلام المختلفة في تذكير كافة فئات المجتمع بحقوق هذه الفئة من ذوينا، وأهمية دور الأسرة والمجتمع في تعزيز حقوقها وتلبية احتياجاتها.
في هذه العجالة، لا أنسى ما قالته لي إحدى السیدات الكفیفات، في مناسبة كنت أتحدث فيها:
(إن إصابتي الحقیقیة، لیست في بصري الذي فقدته مذ خرجت إلى الحیاة، إنها في المجتمع الذي یأبى أن یتقبلني كما أنا مواطنةً عادیةً).
لقد تركت هذه الكلمات في نفسي أثراً كبیراً.. نعم، لقد فقدَت البصر، لكن بصیرتها يفتقدها كثيرون!
طبيب بشري حائز على شهادة الماجستير في طب الأذن والأنف والحنجرة وجراحتها، والبورد السوري، بالإضافة إلى الدراسات العليا من جامعة برمنجهام في المملكة المتحدةBirmingham, UK، وهو من الناشطين في المجتمع المدني العربي والدولي، له إسهامات طبية وثقافية وإنسانية عديدة، إلى جانب الكتابة باللغتين العربية والإنجليزية.
له عدة إصدارات في مجال الإعاقة السمعية، والبصرية، كما نشر المئات من المقالات والأبحاث في الصحة، والإعاقة، والعمل الإنساني والحقوقي وجوانب ثقافية متعددة.
شارك في تأسيس وإدارة وعضوية (الهيئة الفلسطينية للمعوقين)، (الرابطة السورية للمعلوماتية الطبية)، (الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم)، اللجنة العلمية لنقابة أطباء دمشق، وهيئة تحرير (المجلة الطبية العربي)، ولجنة الإعاقة بولاية كارولينا الشمالية للسلامة العامة، قسم إدارة الطوارئ، وعضو جمعية نقص السمع في منطقة ويك، ولاية كارولينا الشمالية، وعضو لجنة العضوية في تحالف الأطباء الأمريكي، ومستشار مؤقت لمنظمة الصحة العالمية إقليم المتوسط في القاهرة للمؤتمر الإقليمي (أفضل الممارسات في خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأشخاص المعوقين)، القاهرة، مصر (نوفمبر 2007)، كما شارك في كتاب (مواضيع الشيخوخة والإعاقة)، منظور عالمي، إصدار لجنة الأمم المتحدة غير الحكومية للشيخوخة، نيويورك 2009.
(http://www.ngocoa-ny.org/issues-of-ageing-and-disabi.html)
وقد حاز الدكتور غسان شحرور خلال مسيرته على:
- درع الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم، 2000.
- جائزة الإمارات العالمية التي يرعاها الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعمل الطبي الإنساني عام 2002.
- درع الأولمبياد الخاص، بمناسبة تشكيل الأولمبياد الخاص الإقليمي، 1993.
- براءات التقدير والشكر من منظمات الإعاقة والتأهيل في مصر، الإمارات، قطر، تونس، والكويت وغيرها.
- منظم ومدرب (مهارات التقديم المتطورة للعاملين الصحيين والأطباء)، رابطة المعلوماتية 2006.
- جائزة نجم الأمل العالمية، للإنجازات في مجال الإعاقة، مؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة اتفاقية أوتاوا، كارتاجنا، كولومبيا 32 ديسمبر / كانون الأول 2009.
- أختير ضمن رواد المعلوماتية الطبية في العالم وفق موسوعة (ليكسيكون) الدولية 2015،
Biographical Lexicon of Medical Informatics ،
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4584086/