إعداد : رغد محمد الفيفي
يضمّ المجتمع عدداً كبيراً من الأشخاص الذين يختلفون في صفاتهم وقدراتهم وأعراقهم، ويشكل الأشخاص ذوو الإعاقة شكلاً من أشكال الاختلاف بين أفراد المجتمع الذي يشتركون فيه على تنوع إعاقاتهم حيث أنهم مجموعة من الأشخاص الذين يتطلب سير حياتهم نوعاً من الاهتمام الخاص.
في المقابل يمتلك الكثير من هؤلاء الأشخاص قدرات تمكنهم من العمل في وظائف عدة.
وتعتبر قضية تشغيلهم وقبولهم في المراكز الوظيفية من مؤشرات مدنية ورقي المجتمع الذي يسعى إلى قبول جميع أفراده بغضّ النظر عن الاختلافات فيما بينهم ، إلا أن ضعف التأهيل لدى الأشخاص من ذوي الإعاقة وعدم امتلاكهم لمهارات سوق العمل قد يؤدي إلى رفض تشغيلهم من قبل أرباب العمل خوفاً من تعطل أعمالهم وعدم سير العمل بشكل احترافي .
نتطرق في هذا المقال إلى ماهية مهارات سوق العمل، وأهميتها، وكيف يمكن أن تسهم في زيادة فرص التشغيل للأشخاص ذوي الإعاقة وتعديل الاتجاهات السلبية نحو تشغيلهم، وأخيراً عن الفائدة التي تعود على هؤلاء الأشخاص وعلى مجتمعاتهم من تشغيلهم وامتلاكهم مهارات سوق العمل.
ماهي مهارات سوق العمل؟
مجموعة من المهارات والميول والاتجاهات التي يمتلكها الفرد وتطلبها منه المهام الوظيفية المطروحة كشروط أساسية لتأديتها، مثل: مهارات التواصل، العمل ضمن فريق، حل المشكلات، الرغبة في النمو المهني، والاتجاهات الإيجابية نحو ما يقوم به الفرد.
يطلب الكثير من أرباب العمل توافر تلك المهارات في موظفيهم، وبالنسبة للأشخاص غير المعاقين من الممكن أن يكتسبوا تلك المهارات بشكل اعتيادي من خلال تجاربهم الحياتية دون تحديات وعراقيل كثيرة، ولكن فيما يخص الأشخاص ذوي الإعاقة فإن الأمر مختلف حيث يولد الفرد ولديه تحديات تحول دونه ودون اكتساب تلك المهارات بشكل اعتيادي دون تدخل أو تدريب.
من هذه التحديات ما هو خلقي يولد به الفرد من ذوي الإعاقة، مثل: ضعف السمع، ضعف القدرات الذهنية، المشكلات الحركية، ومنها ما هو بيئي تفرضه المجتمعات، مثل: عزل هؤلاء الأشخاص عن الحياة بحجة عدم الكفاءة، عدم الاهتمام بتأهيلهم لمواجهة الحياة وفق ما تسمح به درجة إعاقتهم، لذا فإن ضعف التأهيل يؤثر على حياة الأشخاص من ذوي الإعاقة وهو ما نفرضه عليهم كمجتمع وليس ما ولدوا به، أي أننا نزيد من تحديات الأشخاص ذوي الإعاقة ونوسع دائرتها.
ما أهمية مهارات سوق العمل للأشخاص ذوي الإعاقة ؟
في سياق توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة أجرى الدوسري ومعاجيني (2019) دراسة هدفت إلى التعرف على معوقات توظيف الشباب ذوي الإعاقة الذهنية من وجهه نظر وزراء الموارد البشرية خلصت إلى مجموعة من المعوقات التي تحول دون توظيفهم كان من أبرزها، افتقار الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية لبعض المهارات الضرورية في سوق العمل وعدم وجود فرص لتأهيلهم وتدريبهم على العمل.
تدلنا نتائج الدراسة إلى الأهمية التي تحتلها مسألة التدريب وامتلاك مهارات سوق العمل في سبيل تذليل الصعوبات التي تواجه الأشخاص من ذوي الإعاقة في قضية تشغيلهم وتوظيفهم.
إن اكتساب مهارات سوق العمل بالنسبة للأشخاص من غير ذوي الإعاقة يعد شرطاً لحصولهم على الكثير من الوظائف ويزيد من فرص اختيارهم لشغل وظائف معينة، وفيما يخص الأشخاص ذوي الإعاقة فإن أهمية اكتسابهم لتلك المهارات يتعدى إلى تعديل الاتجاهات نحو تشغيلهم أي أنه يثبت كفاءتهم الأمر الذي يؤمن به أرباب العمل فيما يخص الأشخاص من غير ذوي الإعاقة أكثر من ذوي الإعاقة، أي أننا عندما نسعى إلى إكسابهم مهارات سوق العمل فإننا لا نهدف فقط إلى أن يشغلوا وظائف ويحصلوا على دخل مستقل بل إننا نهدف أيضاً إلى إثبات كفاءتهم مما يغير من اتجاهات المجتمع بشكل عام وأرباب العمل بشكل خاص نحو قضية تشغيلهم، حيث أن الصورة السائدة لتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة هي توظيفهم من باب الشفقة.
تخيل لو أن أحد أرباب العمل قام بتوظيف فرد من ذوي الإعاقة ممن تلقى تدريباً وتأهيلاً مهنياً لمواجهة سوق العمل، هل ستكون اتجاهات صاحب العمل على نفس النحو الذي ستكون عليه عندما يوظف أحد من ذوي الإعاقة وهو لا يمتلك تلك المهارات؟
في حال التدريب فإن رب العمل سينظر إلى كم الإنتاجية الذي يقدمه هذا الفرد للمؤسسة ولن ينظر إلى إعاقته الأمر الذي سيساعد ذلك الفرد على الاستمرارية في وظيفته والحصول على فرص ترقيات وتطوير مهني داخل المؤسسة. أي أن العلاقة بين المؤسسة والفرد ستكون تبادلية وستسعى المؤسسة نفسها إلى الاستفادة من الفرد، ولن تنظر إلى أنها تعطي من لا يستحق رأفة به فقط.
ما الفوائد التي تعود على الأشخاص ذوي الإعاقة ومجتمعاتهم من توظيفهم؟
لا شك أن تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة يعود بفوائد كثيرة من أهمها الاستفادة من جميع طاقات المجتمع ومشاركة جميع أفراده في البناء والتنمية، كما يسهم تشغيلهم في تخفيف الأعباء النفسية على الوالدين والأسرة حيث أن أكثر ما يشغل أسرهم هو قدرتهم على مواجهة الحياة والعيش باستقلالية الأمر الذي يوفره التشغيل والتدريب بدرجة تمكن الوالدين من الاطمئنان على مستقبل أبنائهم.
أيضاً يساعد التشغيل في التكيف مع المجتمع وزيادة دمجهم الاجتماعي مما يوفر لهم مزيداً من الفرص في مجال الخبرات الحياتية والتفاعل الاجتماعي، ويساعد التشغيل أيضاً في تعزيز مفهوم الذات ورفع مستوى تقدير الذات لدى الأشخاص من ذوي الإعاقة وإعادة ثقتهم بأنفسهم.
ختاماً
إن قضية تشغيل الأشخاص من ذوي الإعاقة وإكسابهم مهارات سوق العمل تتطلب تخطيطاً مسبقاً يضمن نجاح إدخال هؤلاء الأشخاص إلى سوق العمل تجنباً لهدر الوقت والجهد وتجنباً لردود الفعل غير المحسوبة إذا ما تم إدخالهم إلى مجالات سوق العمل مباشرة دون تخطيط.
يشمل التخطيط في المقام الأول توعية أفراد المجتمع الذين يشتركون في هذه القضية على أرض الواقع وتفعيلها، مثل: أرباب العمل، أولياء الأمور والأسر، والأشخاص من ذوي الإعاقة أنفسهم، إذ يعد الوعي من أهم أسباب نجاح جميع قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، يشمل ذلك التوعية بفئات الأشخاص ذوي الإعاقة والفروقات بينهم وحاجاتهم ورغباتهم وحقوقهم من خلال الندوات والمؤتمرات، أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة حيث لا يخلو منزل من إحدى هذه الوسائل التي تمكننا من إيصال القضية إلى كافة أطياف المجتمع.
المراجع
- الدوسري ، عبد الرحمن بن محمد ومعاجيني ، فايز سليمان .(2019). معوقات توظيف الشباب ذوي الإعاقة الذهنية البسيطة في القطاع الخاص من وجهة نظر مدراء الموارد البشرية في المنطقة الشرقية.
- قناة عين .(2016 , أبريل 19). تقرير توظيف من ذوي الإعاقة [فيديو].يوتيوب. https://youtu.be/MK0QJMKRawY
رغد محمد الفيفي
- حاصلة على البكالوريوس في التربية الخاصة مسار الإعاقة الذهنية.
- باحثة ماجستير بقسم التربية الخاصة مسار الإعاقة الذهنية في جامعة الطائف.