صورة أخرى لاضطراب طيف التوحد في الدراما التلفزيونية
بقلم محمد النابلسي
تسعى بعض الأعمال الدرامية إلى التعامل مع موضوع الإعاقة بشكل عام كعنصر جاذب للجمهور باعتباره موضوعاً شائكاً، ولا يعرفه الكثيرون، وغالباً ما تصطبغ تلك الأعمال بصبغة التعاطف أو الإيجابية الزائدة، أو التعامل مع الإعاقة كعنصر هامشي في العمل ولكن يؤكد على تنوع المجتمع، وعلى الرغم من أن هذه الصيغة هي صيغة أفضل من طرح الإعاقة كعقاب إلهي، إلا أنها لا ترتقي للمفهوم الحقوقي باحتواء الأشخاص ذوي الإعاقة في مجتمعاتهم، والأعمال المميزة التي طرحت هذه الصورة هي أعمال مختلفة ومتعددة سينمائياً أو تلفزيونياً، سواء عربياً أو عالمياً، ولكن الأعمال المميزة قليلة.
اقرا ايضا: الفيلم التونسي ” في عينيا” رؤية صادقة لآباء الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد
والأعمال الدرامية التي طرحت موضوع اضطراب طيف التوحد على وجه الخصوص، غالباً ما كانت تقع في فخ التنميط، فإما الحالة الحادة التي تضع الأسرة في ورطة طوال الوقت، ويتم التعاطف مع الأسرة، أو الحالة التي تتسم بذكاء حاد في أمرٍ ما ويتم استغلالها في مؤامرة ما أو مخطط شرير، حتى يتم الخروج من هذه الورطة بشكل درامي مثل فيلم Rain manوالذي أنتج في العام 1988، والذي يعتبر علامة في طرح صورة الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد في السينما والدراما، وربما قد يكون هو أول الأعمال التي تتعرض لاضطراب طيف التوحد.
المسلسل التلفزيوني الأمريكي The Good Doctor طرح نموذجاً ثالثاً ومختلفاً، قد لا يمثل الأشخاص من ذوي اضطراب طيف التوحد عموماً، ولكنه يمثل فئة قليلة منهم، وتكاد تكون نادرة، ويقترح المسلسل حلولاً عملية وحقيقية في تعامل الشخص ذي اضطراب طيف التوحد مع بيئة العمل، والحياة الاجتماعية الخاصة به.
“The Good Doctor” هو مسلسل طبي أمريكي مستوحى من المسلسل الكوري الجنوبي الذي أُنتِج في عام 2013 بنفس الاسم. والذي اشترى حقوقه الممثل الأمريكي ذو الأصول الكورية دانيال داي كيم، وبدأ بإنتاج نسخته الأمريكية في العام 2017 لصالح شركة سوني بيكتشرز تيليفجن وإيه بي سي سيجنتشر، بالتعاون مع شركات الإنتاج شور زد برودكشنز، وثري إيه دي، وإنترميديا، من إخراج ديفيد شور، والذي قام بإخراج مسلسل “هاوس”.
قام فريدي هايمور، الممثل الرئيسي الذي يؤدي دور الدكتور شون مورفي بتجسيد الدور الرئيسي، كطبيب جراح شاب من الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد في مستشفى سان جوزيه سانت بونافنتشر التعليمي، ويقوم بأداء مهام طبية متنوعة ومغامرات شخصية من وجهة نظر شخص من ذوي اضطراب طيف التوحد. وعلى الرغم أن الممثل ليس من الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد أو تظهر عليه أي من أعراضه الرئيسية، لكنه قام بالعمل على الدور بمساعدة ميليسا راينر كمستشارة من ذوي اضطراب طيف التوحد للمساعدة في دقة الدور، مما أدى إلى الإشادة بأداء الممثل داخل مجتمعات الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد ومؤسساته. وقد حاول الممثل فريدي هايمور إضافة أبعاد مختلفة للشخصية، تجعل الجمهور بشكل عام والأشخاص من ذوي اضطراب طيف التوحد وأسرهم بشكل خاص على تواصل مع عالم الدكتور شون بطل المسلسل، ومع مشاكله وشخصيته الجذابة والمثيرة للاهتمام، وأحيانًا المواقف المضحكة التي يوقع نفسه أو يوقع الآخرين فيها.
إحدى السمات التي قام بها الممثل الرئيسي في المسلسل، هي تلك الحركة النمطية بجمع يديه معًا، معظم أوقات المسلسل، وهي من الحركات النمطية التي يقوم بها الأشخاص ذوو اضطراب طيف التوحد، بالإضافة إلى دقته في تنظيم بعض الأمور، وكيفية تطوير حياته الاجتماعية منذ لحظة اختيار شريك سكن في شقته، إلى الصداقات التي يعقدها مع زملائه، وتعامله مع المرضى عموماً، وطريقة اختياره المعقدة في انتقاء شريكة حياته.
وفي نفس الوقت تعرض المسلسل إلى حالات طبية مختلفة، ومن تلك الحالات الكثير من الأشخاص ذوي الإعاقة، وقد تم طرح نماذج الإعاقة المختلفة بطريقة دامجة، وقادرة غالباً على اتخاذ قرارتها الطبية لوحدها، كما تم طرح تأثير وجود طبيب من ذوي اضطراب طيف التوحد على حياة أولئك المرضى وقراراتهم الطبية، وعلاقاتهم الأسرية والاجتماعية.
كما أن بقية القصص والشخصيات حول حبكات حكاياتهم بالتعرف على أنفسهم من خلال اتخاذ قرارات مماثلة للبطل الذي يكون الأكثر صراحة بين الأطباء، ولكنه قادر على التأثير بالشخصيات من حوله والتأثر بهم.
ولا يجمل المسلسل تلك الصعوبات التي قد يعتبرها معظمنا سخيفة ولا تؤثر بشكل كبير على مسار يومنا، ولكن وفي مشاهد قابلة للتعاطف، يصبح الدكتور شون مشتتًا تدريجيًا بسبب صوت الهواء الخارج من فتحات السقف أو بسبب صوت الإنارة مثل النيون، فإحدى الأعراض الشائعة لاضطراب طيف التوحد هي الحساسية المتزايدة تجاه الأصوات والألوان والإزعاجات الحسية الأخرى.
لم يأتِ هذا العمل الدرامي كصدفة غير منطقية، فقد جاء هذا العمل لينتمي إلى نوعية الأعمال الخاصة بالتسويق الاجتماعي، والذي يتضمن تغيير الاتجاهات المجتمعية السلبية إلى اتجاهات مجتمعية إيجابية، فعلى سبيل المثال كان هناك انتقاد واضح للسياسات الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى ذلك فإن هذا المسلسل يعمل على تشجيع توظيف الأشخاص من ذوي الإعاقة، وكيفية اتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع الموظفين ذوي الإعاقة. فإنه واستنادًا إلى إحصاءات وزارة العمل الأمريكية، غالبية الأشخاص من ذوي الإعاقة في الولايات المتحدة اليوم لا يعملون. وبالتالي طرح مسألة توظيف شخص من ذوي الإعاقة تسلط الضوء على أهميتها.
قد لا تكون المعالجة الدرامية لبعض القصص الطبية، أو حتى بعض الخطوط الدرامية الخاصة بشخصية الدكتور شون مورفي منطقية، لكنها لا شك تتعامل مع خصوصية الشخصية وطبيعة الإعاقة بوعي كامل، وقدرة الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد على تغيير واقعهم، وتفاعلهم مع المحيط الخاص بهم بطريقة مناسبة تصل بهم إلى أن يكونوا جزءاً فاعلاً ومؤثراً في مجتمعاتهم.
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”