أنا أمشي… قادر على الصعود
تحافظ دار (أصالة للنشر والتوزيع) منذ نشأتها في العام 1998 على نهجها في تقديم كتب للأطفال تعزز من خلالها قبول الاختلاف، وضمن سلسلة (اصعد مع أصالة) ـ الاسم يؤكد على الرؤية التنموية في (أصالة للنشر) ـ صدر في العام 2013 كتاب صغير بعنوان: (أنا أمشي) من تأليف هنادي ديّة ورسوم نادين الخطيب، جاء الكتب بحجم صغير و15 صفحة، ليقدم حكاية بسيطة جداً ومباشرة، لتكون نموذجا جديداً من كتب الأطفال التي تتناول موضوع الإعاقة، وهي ليست بالكثيرة في مكتبة الطفل العربية.
هنادي ديّة قدمت حكاية بجمل بسيطة، قليلة الكلمات، كثيفة المعاني والقيم، لاجئة بذلك إلى الاحتمال التقليدي بقدرة الأشخاص من ذوي الإعاقة على الاندماج في المجتمع متى أتيحت لهم الفرصة لذلك وتوفرت الامكانيات، دون الخوض بأية تفصيلات أخرى مرتبطة بكيفية مواجهة التحديات التي تسبقها، وهنا لعبت (هنادي دية) على صفاء ذهن الطفل، الذي لم تشوبه شائبة، ولم تقترب منه آفات رفض المختلف أيا كان، إنه السن الذي يسعى فيه اكتشاف كل ما هو غير مألوف بالنسبة، وهو السن نفسه الذي يتقبل فيه ببساطة بناء الاتجاهات المجتمعية المرتبطة بالأشياء من حوله، وهو السن نفسه الذي يبدأ فيه بقراءة الجمل البسيطة، والتي يستند عليها الكتاب بشكل أساسي.
كما قدمت الكاتبة في مستهل كتابها، تنوع الأدوات المساعدة للأشخاص من ذوي الإعاقة الحركية، بشكل بسيط:
أنا أمشي
برجلين، بحذائين غريبين، بعكازين، أو بكرسي بدولابين،
لا يهم
وقدمت الصورة المرحة للشخص من ذوي الإعاقة، مركزة على سلوك يجب أن يتبعه المجتمع بالتعامل مع الأشخاص من ذوي الإعاقة الحركية، بالنظر إلى عينيه مباشرة وليس بالنظر إلى رجليه أو طرفه الصناعي أو كرسيه المتحرك:
المهم أني أفرح، ألعب، وأمرح.
وعندي أصدقائي ينظرون إلى عيني لا إلى رجليّ
أما نادين الخطيب فقدمت رسومات بخطوط واضحة لتكمل نسيج هذا الكتاب بجمله الواضحة، ألوان مشرقة ومختلفة، ولكنها منسجمة تتفق مع مضمون الكتاب، وكأن الرسومات تحمل بين خطوطها رسالة ملونة للطفل القارىء بأن البشر على اختلاف ألوانهم ينسجمون في نقطة معينة، ولا تحمل شخصية من الشخصيات أي ملامح غير الفرح والمرح والابتسامة الواسعة، حتى أن الصفحة التي تتضمن صورة الأرجل المختلفة ملونة وكأنها تبتسم هي الأخرى.
وعلى الرغم من جرعة الفرح والأمل بين صفحات الكتاب، إلا أنه وقع في نفس خانة كتب الأطفال التي تجعل من الإعاقة نقطة الضعف الوحيدة التي توهم القارىء بزوالها بمجرد تميز الطفل من ذوي الإعاقة، فالأشخاص من ذوي الإعاقة لديهم نقاط ضعف فقد يكون أحدهم غير متفوق دراسيا أو رياضيا أو مرحا، فالكاتبة ختمت كتابها بثلاث جمل توزعت على ثلاث صفحات:
هل تعرفون أني قوي، مرح وذكي؟!
أين حذائي الرياضي؟
سأفوز بالكأس الذهبية.
قد تبدو هذه النقطة أو ما اعتبرناه فخاً ليس نقطة ضعف أساسية في الكتاب، نظرا لطبيعة الكتاب المبسطة والتي تهدف منذ البداية إلى توضيح الإعاقة الحركية وقدرة الأشخاص من ذوي الإعاقة الحركية على الاندماج في المجتمع، وليس سرد قصة ذات حبكة، ولكن مع تكرار الأمر في كتب الأطفال سيتم تكريس صورة نمطية بارتباط السعادة المطلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة، كالصورة المكرسة حاليا في الكتب العربية، والغريب أنها مكرسة بصورتها النقيضة وهي الشخص ذو الإعاقة الأكثر تعاسة في العالم.
لا ينكر أحد كم استطاعت الكاتبة والرسامة انتاج كتاب مبسط يصف الإعاقة الحركية بشكل إيجابي وموفق بالنسبة للفئة العمرية الموجه لها الكتاب، ولكن ستكون الأمور أكثر واقعية إن قربنا التحديات التي يخوضها الأشخاص ذوو الإعاقة بشكل عام قبل وصولهم إلى النجاح.
كرسي الأمنيات..
الألوان الزاهية والطباعة الممتازة والقطع الكبير للكتاب وعنوانه (كرسي الأمنيات) والغلاف بلونه الأصفر وصورة الشاب الجالس على كرسي متحرك من النوع الرياضي حاملا كرة السلة، كل تلك الأمور جعلتني اقبل على الكتاب بلهفة، بدا لي الأمر قد تم تناوله بشغف كبير من قبل كاتبه (محمد شاكر الجراغ)، والصادر في العام 2013.
ومرة أخرى تتكرر أسطورة طه حسين في الذهنية العربية، شخص من ذوي الإعاقة يصبح بطلا رياضيا ومتفوقا علميا ومعلما ناجحا، ولكن هذه المرة البطل من ذوي الإعاقة الحركية، ببساطة هذه قصة (علي) بطل قصة (كرسي الأمنيات) الذي عاش تجربة بدأت بتفهم سريع من العائلة عندما علمت بضعف ساقيه، وانضمامه في سن الثالثة لمركز (ذوي احتياجات خاصة) ـ حسب تعبير الكاتب ـ ومن ثم المدرسة التي اكتشف فيها قدرته على استيعاب دروسه، واكتشافه للوجه الآخر من الحياة بأقرانه الذين سخروا منه، وإنجازاته الرياضية التي بدأت، وليكتشف في عمر المراهقة تقريبا أن لا أمل في علاجه، ويدخل بعدها في حالة من الألم سرعان ما تنتهي، ويتخرج من جامعته بتفوق ويعمل مدرسا ويحقق إنجازات رياضية، ويتزوج ويؤسس لعائلة مكونة من أطفال وأحفاد، أي أننا نتحدث عن مسيرة شخص من ذوي الإعاقة الحركية لم يواجه صعوبات بيئية واستفاد من خدمات مركز تدخل مبكر في الكويت قبل ما يزيد عن 40 سنة، علماً بأن خدمات التدخل المبكر بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 1986، وأول مركز للتدخل المبكر في الخليج العربي افتتح في العام 1992 ضمن مؤسسات مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وبغض النظر عن الألفاظ غير الحقوقية: (ذوو احتياجات خاصة، يعاني، مُقعد.. الخ)، إلا أن التركيز يأتي على شخصية (علي) التي تشبه نفس الشخصيات النمطية الأخرى في معظم قصص الإعاقة: يبعث الأمل منذ الولادة، لا تضعفه مشكلة، ولا يستسلم أبداً، الشخص الخارق… الذي يقدم للطفل القارىء صورة نمطية من صورتين:
- الأشخاص ذوو الإعاقة خارقون لا يهزمون.
- متفوق وناجح ومميز ولكن… معاق (يا حرام).
- وإذا كان الطفل القارىء من ذوي الإعاقة ولم يحقق ما حققه بطل القصة من تفوق خارق فإن هذا يشعره بالعجز.
أما الرسومات فقد قام بها الفنان محمد مبارك المطيري، فكانت رسومات تشبه إلى حد كبير رسوم الكارتون التي نشاهدها على التلفاز، وقد يكون خياراً جيداً، ولكنه غير مدروس من النواحي المرتبطة بالإعاقة، فالكرسي الرياضي بالشكل المرسوم هو من النماذج الحديثة نسبيا، والتي بدأت بالظهور بعجلاتها الثلاث في التسعينيات من القرن الماضي، بينما في تلك كان يتم استخدام الكرسي بعجلاته الأربعة، وإن أردنا أن نغض النظر عن مسألة السنوات الأربعين، والتسلسل الزمني للمسألة، وافترضنا أن القصة هي في الوقت الحالي وتفتح الأفق للمستقبل باعتبار ما سيكون، فعلينا أن نلتفت إذن لاستخدام الفنان لصورة الكرسي المتحرك التقليدي الكئيب المستخدم في المستشفيات عادة، وهي واحدة من الصور النمطية للكرسي المتحرك، والتي نسعى لتجنبها، وبغض النظر عن الاحتمال الأول في تنفيذ الرسومات الذي لجأ إليه الفنان عندما قرأ القصة، إلا أننا نستطيع وصفها بالجيدة عموما ولكنها ليست مميزة ولم تقم بدور رئيسي في الكتاب.
النوايا الحسنة وكتب الأطفال
علينا التأكد بأن النوايا الحسنة وحدها لا تكفي لصنع كتاب للأطفال، ولا يستطيع المرء الحديث عن الأطفال ذوي الإعاقة أو موضوع الإعاقة دون بحث كاف حول موضوع الإعاقة، وبالنظر إلى النموذجين المطروحين نجد أن هاذين النموذجين قد حاولا الانتقال إلى التأكيد على قدرة الأشخاص ذوي الاعاقة الحركية على الاندماج في المجتمع، وهو أمر جيد، لكن لا بد عند الكتابة للأطفال عن موضوع الإعاقة أن يبذل فريق العمل القائم على الكاتب والفنان والناشر جهداً أكبر في التأمل والبحث في موضوع الإعاقة الذي سيتم تناوله.
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”