مبدئياً يعتري المرء شعور بأن من كتب ورسم (عدنان لا يحب قصتي) أنه أمام كتاب أنتجه الشغف والبحث المتأني، ويبدو أن ما دأبت عليه (دار الحدائق) لمالكتها الكاتبة (نبيهة محيدلي) الحريصة دائماً على اختيار الموضوعات الشيقة والمكتوبة بشكل ذكي وفريد، قد استمر فعلاً من خلال تبني هذه القصة التي استطاعت الكاتبة (لمياء عبد الصاحب) أن تكتب وترسم من خلالها حكاية علاقة (عدنان) و(نور) بشكل سلس وبسيط وتفاصيل غير معقدة، لتقدم واحدة من نماذج تعامل الأطفال ذوي الاعاقة السمعية مع المجتمع المحيط.
تحرص (لمياء عبد الصاحب) على توريط الطفل القارىء بتفاصيل كاملة للشخصيات، كنوع من بناء الثقة المتبادلة، تبدأ بطلة القصة (نور) بالتعريف باسمها والتعريف بعائلتها:
أتعرفون ما اسمي؟ أنا نور
هذا أبي، وهذه أمي، وهذا أخي الصغير أمير
وتلك الجملة الافتتاحية مزودة برسم شيق وحميم لأسرة تمارس هوايات، ومرسومة بتفاصيل تتكرر في بقية الرسومات، وكجزء من السياق الدرامي للقصة، فالأب يصلح لعبة السيارة مع ولده أمير، والأم تخيط من قطع القمش الملون شيئا ما، وهناك مكتبة لطيفة تشكل مع الغرفة بمجملها فضاء القصة بمجملها.
وتكمل (نور) التعريف بأسرة الجيران المكونة من إيمان وعدنان التوأمين، لتمهد لزيارة أم عدنان وطفليها التوأمين إلى منزل (نور)، فيبدأ الأطفال باللعب معاً، وتكون (نور) بصفتها الأكبر سناً بينهم والتي بدت أنها تستخدم مهاراتها في الرسم واللعب لجمعهم حولها، وذلك أمام المكتبة، التي تناولت منها أحد الكتب وبدأت بقراءة القصة لتستعرض مهارات القراءة الخاصة بها، ويتفاعل معها الطفلان (أمير) و(إيمان) بينما (عدنان) كان منزعجا، فغيرت القصة أكثر من مرة لتجد تفاعلاً أكبر من الطفلين، وانزعاجاً أكثر من (عدنان)، وسرعان ما أخبرت (نور) الأم بالمشكلة، لتوضح أم عدنان أنها نسيت وضع سماعة الأذن التي لا يسمع من دونها، فأخذت (نور) موقعها مرة أخرى كأخت وطفلة كبيرة، وبدأت تروي قصتها للأطفال الذين تفاعلوا معها جميعاً، فيصبح سماع القصص من (نور) واحدة من هوايات (عدنان) الأساسية.
تقدم (لمياء عبد الصاحب) كتاباً مرتبطاً ما بين كلماته ورسوماته، معتمدة أن الطفل الأصم لديه ذاكرة بصرية قوية، فمثلا عندما ركزت على تكرار تفاصيل الغرفة في كافة الصفحات، لتؤكد أن الحكاية كلها تدور في نفس المكان، وعندما أثرت الكتاب بحكايات أخرى صغيرة، فالقطع الملونة التي كانت تخيطها (أم نور) في بداية القصة، أصبحت فيما بعد غطاء جلس عليه الأطفال عند قراءة القصة، والسيارة اللعبة التي كان يصلحها (أبو نور) في البداية صار يلعب بها (أمير) في أكثر من مكان في القصة، والسلحفاة كانت الحيوان الأليف الذي تحرك مع الأطفال أينما تحركوا، وكل تلك القصص الصغيرة تشكل بمجملها قصة كبيرة حول الهوايات وفائدتها ونتائجها الملموسة: الخياطة ونتيجتها الغطاء، تربية الحيوانات ونتيجتها السلحفاة الممتعة، إصلاح الأشياء وسيارة (أمير)، وجمع الكتب والقراءة.
أما شخصية (عدنان) وهو بطل القصة الذي يهمنا فقد رسم بشكل مشابه إلى حد كبير لبقية الأطفال، لا تستطيع التفريق بينهم إلا من خلال ملابسهم، وعندما استخدم (عدنان) السماعة ظهرت أنيقة ومرسومة بشكل أنيق ومنسجم، لتتجاوز الصورة النمطية لسماعات تكررت في أكثر من قصص الأطفال بحجم كبير وبارز، وتقدم هنا مؤلفة ورسامة الكتاب للأطفال تعريفا بسيطا وسهلا وسريعا في واحدة من الأدوات المساعدة للأشخاص من ذوي الإعاقة السمعية.
والقصة دارت حول إشكالية محددة في علاقة (نور) و(عدنان) وهي عدم قدرة (عدنان) على سماع القصة، ولم تكن هناك مشكلة بانسجامه أساسا مع الأطفال، إنما الإشكالية في غياب السماعة وليست في إعاقته السمعية، والأطفال بفطرتهم السليمة في المجمل لا يلتفتون حقاً للإعاقة باعتبارها اختلافا طالما وجدت الأدوات التي تتيح فرصة أكبر للمشاركة واللعب.
قدم كتاب (عدنان لا يحب قصتي) نموذجاً مميزاً في تقبل الاعاقة، واعتبارها نوعاً من التنوع الاجتماعي، وحقيقة ما يواجهه الأشخاص من ذوي الإعاقة هو غياب البيئة المهيأة، والمعينات التي تسهم فعلا في الدمج المجتمعي، وكل ذلك جاء في قالب غني وثري، في الأسلوب البسيط والذكي، والرسومات المليئة بالفرح والحكايات الموازية، والمعاني المختلفة في الكتابة والرسم التي تجعل من الحكاية لا تدور حول عدنان فعلا، فقد تدور حول (نور) ودورها كطفلة كبيرة، وقد تدور حول اختيار القصة… نستطيع اختيار وتأليف أكثر من قصة حول نفس القصة، وتظل (عدنان لا يحب قصتي) من القصص الممتعة في التعريف بالأشخاص من ذوي الإعاقة السمعية.
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”