على مقربة من الاشارة الضوئية، اختار محطته التي ينطلق منها إلى السيارات، يتطلع إلى الإشارة بين الحين والآخر، وحين يضيء اللون البرتقالي يستعد للإنطلاق إليها، فيبدأ عمله بسرعة إلى أن يغادر الضوء الأحمر إشارته ليعود الفتى إلى موقعه تحت أشعة الشمس.
عدّته الأساسية قطعة قماش ودلو ماء صغير أخذهما من المطبخ، يغطس القطعة بالماء، حتى تتشرب ما يكفي منه، ينتشلها إلى الأعلى ويعصرها بيديه النحيلتين منطلقاً نحو هدفه، فيبدأ بالزجاج الأمامي متموجة يده في حركتها يميناً ويساراً، يقف على رؤوس أصابعه تارة ويمتد بجسده على هيكل السيارة الأمامي تارة أخرى محاولاً الوصول إلى أكبر مساحة من الزجاج، وقبل أن ينتهي منه يتوجه إلى صاحب السيارة ليفتح الأخير نافذتها ويعطيه بعض النقود، فيقبّلها ويضعها في جيبه منطلقاً إلى سيارة أخرى، إن كان له حظ في التمكن من زجاجها قبل أن يضيء اللون الأخضر.
ألوان عديدة من السيارات والسائقين، تمرّ عبر هذا التقاطع كل يوم، أشكال عديدة من السيارات التي يصافحها، معبأة بأشكال من الناس الذين يقرأ وجوههم وتمتد يده إليهم، لا تتعبه السيارة النظيفة، مع أنه يميل إلى اعتراض السيارات المتسخة، حتى تتضح عليها معالم عمله فتكون حجته أقوى عند سؤال صاحبها، تجذبه السيارات الفارهة، يترقبها عن بعد على اعتبار أن بداخلها أناس أثرياء سيفيضون عليه بكرمهم، إلا أن تلك ليست القاعدة، إذ قد يزجره أصحابها أحياناً ويمنعونه من الاقتراب من السيارة حتى لا تتسخ من ملابسه الرثة.
تعرّف من تحت هذه الإشارة على أنواع السيارات والناس، تتعدد الملامح المختبئة خلف الزجاج الأسود، منها الجميل ومنها القبيح، منها ما أتعبه صخب الحياة ومنها المستريح، يقوم بعمله الذي اعتاد عليه غير ضامن لمن سيعطيه الدريهمات المنتظرة، فلا يعتبر الكثيرون ما يقوم به عملاً يستحق أن يكافأ عليه، بل يعدّونه وجهاً من وجوه التسوّل.
يستعد للون الأحمر، يبلل قطعته، ويبدأ رحلته مع الزجاج، مسّاحات الزجاج هذه تعتبر منافساً له، فهي تقوم بما يقوم به، إلا أنها لا تتقن العمل على أطراف الزجاج، كما أنها تفتقر إلى الحس الانساني الذي يمتلكه، يمسح ما عجزت عنه، وتمتص قطعته القماشية ما علق على السيارات من تراب، يستقرئ الأيدي التي تمتد إليه، نعومتها وخشونتها، نظافتها واتساخها، يتلمس فرحها وغضبها وكل انفعالاتها في لحظات، وكأنه قارئ كف يتنبأ بما ستجود به هذه الكف أو تلك، وهذه المرة من خلف فتحة صغيرة بالنافذة، يتفحص الأيدي الناعمة التي تعبث في الحقيبة باحثة عن دراهم، إلا أن الضوء البرتقالي يعلن الاستعداد للإنطلاق، وأبواق السيارات في الخلف تصرخ، وأصوات محركاتها تهدر، والأحمر يداهم الوقت فيبتعد إلى ظل عمود الإشارة دون أن يتمكن من النقود، يغطس قطعته المتسخة بالماء الفاتر، لتعكر غبرة السيارات صفاءه، يتحسس دراهمه في جيبه، مستشعراً بثقلها الذي يزداد بعد كل جولة، يرفرف قلبه الصغير من الفرحة على أصوات الدراهم، ويستعد لجولة أخرى.
يبدل الماء بعد الماء، يأخذه صافياً ويعيده متسخاً، إلى أن ينتهي يومه، وتتعب قدماه من طول الوقوف والانتظار، وتلفحه حرارة الشمس لتغير لونه البريء إلى سمرة لم تكن على ملامح وجهه من قبل، يبتعد عن الأضواء متجهاً نحو البيت، يدخله منهكاً بعد طول مسير على الأقدام، يمد يده إلى جيبه فيناول كل ما فيها لأمه لتشتري به طعام أخوته الأيتام.
- دكتوراه الفلسفة في التعليم الخاص والدامج ـ الجامعة البريطانية بدبي
- يعمل حالياً في إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم ـ وزارة تنمية المجتمع ـ دبي.
- له العديد من المؤلفات حول التقييم والتأهيل النفسي والتربوي وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة.
- باحث مشارك مع مجموعة من الباحثين في جامعة الامارات العربية المتحدة للعديد من الدراسات المنشورة في مجال التربية الخاصة.
- ألقى العديد من المحاضرات والدورات وشارك في الكثير من المؤتمرات حول مواضيع مشكلات الأطفال السلوكية، وأسر الأشخاص المعاقين، والتقييم النفسي التربوي، التشغيل، التدخل المبكر.
- سكرتير تحرير مجلة عالمي الصادرة عن وزارة تنمية المجتمع في الإمارات.
- سكرتير تحرير مجلة كن صديقي للأطفال.
جوائز:
- جائزة الشارقة للعمل التطوعي 2008، 2011
- جائزة راشد للبحوث والدراسات الإنسانية 2009
- جائزة دبي للنقل المستدام 2009
- جائزة الناموس من وزارة الشؤون الاجتماعية 2010
- جائزة الأميرة هيا للتربية الخاصة 2010
- جائزة العويس للإبداع العلمي 2011