يصادف المرء في حياته وهو في سبيله إلى تحقيق أهدافه أو إشباع حاجاته أمرين أو أكثر وعليه أن يختار أحدهما إما لأن أحدهما أفضل من الآخر أو لأن أحدهما صعب عسير والآخر أقل صعوبة أو لأن أحد هذين الأمرين يعيق تحقيق الآخر بما ينطوي عليه من مخاطر وصعوبات، وفي جميع الأحوال لا بد للفرد أن يختار أحد الأمرين حتي يشبع حاجته أو يصل لأهدافه التي يسعى إليها.
لا شك أن عملية الاختيار هذه تجعل الفرد في موقف صعب يدعو إلى الحيرة والارتباك ولا يدري كيف يختار، وقد تشتد به الحيرة طويلاً لأنه لا يجرؤ على اتخاذ القرار لما ينطوي عليه من خطورة أو تضحية ببعض المكاسب أو المنافع أو ما يشتمل عليه من تهديد للمال أو النفس.
والذي يؤثر في اتخاذ القرار هو مقدار أهمية الدافع الذي نسعى لإشباعه أو الهدف الذي نناضل من أجل الوصول إليه كما أن اتخاذ القرار لا بد منه لحل الموقف الصراعي الذي يعاني منه الفرد فالفرد الذي يريد أن يلتحق بإحدى الوزارات بعد تخرجه من الجامعة قد يجد أمامه فرصتين ولكل منهما مزايا تختلف عن الأخرى وهنا عليه أن يقارن ويقرر أي الوظيفتين سيختار.
والجندي في المعركة يجد نفسه أمام موقفين: إما أن يدخل غمار المعركة ويضحي بحياته من أجل الأهداف التي يدافع عنها وإما أن يخشى على حياته ويميل نحو طلب السلامة والهروب من المعركة ويترتب على ذلك المحاكمة بالخيانة العظمى والعقوبة الرادعة.
إذاً هناك الكثير من من المواقف اليومية التي تتطلب اتخاذ القرار وإلا فإن أهدافنا تتعرض للخطر والضياع، ولا شك أن هذه الحيرة التي تواجه الفرد تجعله عرضة للتوتر النفسي وهذا يؤثر تأثيراً سلبياً في نموه النفسي وصحته النفسية إذا لم يجد حلولاً تنهي عملية الصراع النفسي ضمن مدة قصيرة.
أنواع الصراع النفسي
قسّم (ليفين) الصراع النفسي إلى ثلاثة أنواع:
- صراع الإقدام ـ الإقدام
وينشأ هذا الصراع عندما يواجه الفرد هدفين مرغوبين ولكن تحقيق أحدهما يسبب خسارة الثاني وهذا يحدث عندما يجد الفرد أن أمامه وظيفتين لكل منهما بعض المزايا وعليه أن يختار ونظراً لوجود القدرة على التمييز عند الإنسان فإنه يوازن كثيراً بين الوظيفتين قبل اتخاذ القرار لأن قبوله بإحدهما سيحرمه من الثانية بالتأكيد في حين أن الحيوانات عامة لا تواجه هذا النوع من الصراع لأن قدرتها على التمييز محدودة جداً لذلك تنطلق غريزياً لتحقيق الهدف الراهن الذي تصادفه دون أن تواجه مسألة الحيرة والارتباك للاختيار بين فريستين.
فالفرد عندما يرغب بشراء سيارة مثلاً تجده أيضاً محتاراً في الاختيار لأنه يدرس مزايا عدد من السيارات وخصائصها قبل اتخاذ القرار ولحسن الحظ فإن اتخاذ القرار في مثل هذا النوع من الصراع يكون يسيراً وسهلاً نسبياً لأن كلاً من الهدفين يحقق إشباعاً أفضل من وجهة نظر الفرد حيث أن التكافؤ القائم بين الهدفين هو الذي يجعل اتخاذ القرار سهلاً ويسيراً.
- صراع الإحجام ـ الإحجام
يتولد هذا النوع من الصراع النفسي عندما يواجه الفرد موقفين كلاهما غير مرغوب، وإذا ما حاول تجنب أحدهما يجد نفسه قد وقع في شرك الثاني وهذا يشبه الموقف الذي يواجهه الفرد في معركة مفروضة عليه فإما أن يقاتل وقد يودي ذلك بحياته أو يهرب ومعنى ذلك أن يكون عرضة للمحاكمة والحكم بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى لأنه هرب عند أداء الواجب الوطني.
وكثيراً ما يولد هذا الصراع النفسي ضغطاً شديداً يؤدي ببعض الأفراد إلى المعاناة من الاضطراب النفسي وهذا شأن بعض الجنود الذين يعانون من عصابات الخوف من الحرب أو يواجهون أعراضًا هستيرية كفقدان القدرة على الرؤية أو شلل أحد الأطراف بحيث يصبح غير قادر على المشاركة في المعركة.
أيضاً الطالب الذي لا يريد أن يدرس مساقاً من المساقات ولا يريد أن يرسب في الامتحان فهو أمام طريقين إما أن ينسحب من المساق أو أن يحاول الغش في الامتحان وكلا الأمرين مر المذاق.
إن الحياة اليومية مليئة بالأمثلة التي نجد أنفسنا فيها أمام مواقف تقتضي منا المعاناة من الصراع النفسي فالفرد الذي يشكو من السمنة نظراً لأخطارها الشديدة على القلب لا بد أن يمتنع عن بعض الأطعمة أو يقوم بتمرينات رياضية عنيفة يومياً ولا يوجد سبيل آخر وكلا الأمرين شاق على الفرد سواء الحمية أو الرياضة.والمهم أن ندرك هنا أن الصراع النفسي مسألة لا نستطيع تجنبها أو الابتعاد عنها لأنها مواقف تفرضها وقائع الحياة اليومية فالحيرة نواجهها في كثير من مواقف الحياة ولا بد من اختيار إحدى البدائل التي تفرضها علينا طبائع الأشياء.
- صراع الإقدام ـ الإحجام
ينشأ هذا النوع من الصراع النفسي عندما يواجه الفرد هدفاً له وجهان: أحدهما إيجابي مرغوب والآخر سلبي غير مرغوب فإذا فعل ما يحقق الجانب المرغوب يواجه الجانب غير المرغوب فالفرد يحب الطعام ولكنه لا يريد أن يصبح سميناً نظراً للمخاطر التي تترتب على السمنة والفرد الذي يريد أن يصبح طبيباً جراحاً نظراً للدخل الكبير الذي يحققه يخشى في نفس الوقت منظر الدم الذي ينزف من المرضى أثناء العمليات الجراحية.
في مثل هذه المواقف كثيراً ما ما يواجه الفرد صراع الإقدام ـ الإحجام فهناك في كل موقف ما يدعوه للإقدام ولكن في نفس الوقت توجد عناصر سلبية تدعوه للإحجام، والصراع النفسي في هذا النوع يكون على أشده عندما تكون الخصائص الإيجابية والخصائص السلبية على درجة واحدة من الأهمية لأن الفرد لا يدري ماذا يفعل، فهو إن أقدم على الموقف لما فيه من إيجابية لابد أن يلحق به أذى من العناصر السلبية وإذا استجاب للعناصر السلبية فهو سيخسر كل ما في الموقف من عناصر إيجابية.
النتائج هنا إما تكون سعيدة وتولد عند الفرد شعوراً بالرضا والارتياح وعندها يستطيع في مواقف مشابهة أن يقدم على حل الصراع بسرعة دونما معاناة تذكر أو أن تكون هذه النتائج سلبية وتسبب للفرد الالم والاسى والقلق حينها يتخذ الفرد في مواقف مشابهة قراره بحيث يخشى الجوانب السلبية ويرفض الموضوع كلياً بكل ما ينطوي عليه من منافع لأن نتيجة القرار السابق ولدت لديه عدم الرضا والمعاناة.
- صراع الإقدام ـ الإحجام المزدوج
تحدث عنه ميلر حين أشار إلى وجود صراع يشبه النوع الثالث ولكنه مزدوج أي أن يكون أمام الفرد هدفان مرغوبان ولكن في كل منهما عناصر سلبية تجعل تحقيق أحدهما محفوفاً ببعض المخاطر وهنا تجتاح الفرد حيرة وارتباك بحيث لا يستطيع اختيار أي منهما لأن في كل منهما ما يجعل الفرد يحجم، وهنا لا يمكن للفرد أن يتخذ القرار إلا بتدخل عوامل ترجح أحد الهدفين.
فالفرد الذي يجد نفسه أمام فرصتين للذهاب للدراسة في الخارج، الفرصة الأولى لدراسة القانون مثلاً، والثانية لدراسة (الذرة) وقد علم أن دراسة القانون جيدة ولكن حامل هذا الاختصاص يكون راتبه قليل بعد التخرج أما دراسة الذرة فهي جيدة أيضاً ولكن مدة الدراسة قد تطول وقد يواجه صعوبة في الوصول إلى أسرار هذا المجال، مثل هذا الموقف قد يجعل الفرد عرضة للصراع عند اتخاذ القرار ولا يمكن اتخاذه إلا بتدخل عامل ثالث يرجح أحد الهدفين كأن يتأكد أن البلد الذي سيدرس فيه الذرة بلد صديق ويوفر كل التسهيلات للدارسين أو أن يدرك أن المحاماة مهنة مجزية.
لقد حاول ميلر نتيجة دراسات طويلة قام بها أن يضع بعض المبادئ التي تترتب عن الصراع النفسي وهذه المبادئ هي:
- في حالة صراع (الإقدام ـ الإقدام) يصل الفرد إلى حل سريع دون تردد كبير لأن كلاً من الهدفين مرغوب فيه ويكاد المرء لا يواجه أي توترنفسي يسئ إلى صحته.
- في صراع (الإحجام ـ الإحجام) يواجه الفرد حالة نفسية أشد صعوبة وأعلى توتراً لأن عليه أن يختار أحد الأمرين رغم ما ينطوي عليه من مخاطر ومتاعب أو أن يهرب من الموقف تماماً وقد يقبل بحلول جزئية توفيقية عندما يرى أن أحد الأمرين أقل خطورة.
- في حالة صراع (الإقدام ـ الإحجام) يكون الفرد في أقصى درجات التوتر النفسي والحيرة والارتباك خاصة عندما تتساوى قوة الجذب وقوة النبذ في كل من الهدفين أو الهدف نفسه ولا يستطيع الفرد أن يتوصل إلى قرار إلا في حالة تدخل عنصر ثالث يرجح كفة الإقدام أو كفة الإحجام ويتكرر نفس الموقف عند المعاناة من (صراع الإقدام ـ الإحجام المزدوج).
- لا يحدث الصراع إلا إذا تساوت قوة الجذب وقوة النبذ في موضوع الصراع، أما إذا تفاوتت القوتان فإن الصراع يكون ميسراً ويمكن للفرد أن يتخذ القرار بسهولة للتخلص من الموقف.
- عندما يكون الفرد بعيداً عن الهدف تكون درجة استجابة الإقدام أعلى من درجة استجابة الإحجام، اما إذا كان الهدف قريباً من الفرد فإن درجة استجابة الإحجام تكون أعلى من درجة استجابة الإقدام.
المصدر: كتاب (مبادئ الصحة النفسية) للدكتور محمد خالد الطحان
حازم ضاحي شحادة
- بكالوريوس في الصحافة / جامعة دمشق
- صحفي في جريدة الوحدة السورية سابقاً
- صحفي منذ عام 2007 في قسم الإعلام / إدارة الاتصال المؤسسي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- كاتبٌ في مجلة المنال الإلكترونية
الخبرات
- التطوع والعمل سنوياً منذ العام 2008 في مخيم الأمل الذي تنظمه مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية حيث قامَ بتحرير أخباره أولاً بأول.
- التطوع والعمل منذ العام 2008 في مهرجان الكتاب المستعمل الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة منذ العام 2007 في ملتقى المنال الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره.
- المشاركة في ملتقى التوحد (خارج المتاهة) الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في أبريل من العام 2015 وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة في مؤتمر التدخل المبكر الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في يناير من العام 2016 والمساهمة في تحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة في مؤتمر التقنيات المساندة الذي نظمته المدينة في مارس من العام 2017 وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة منذ العام 2008 في حملة الزكاة التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية سنوياً وتحرير أخبارها أولاً بأول.
- لا بد من الإشارة إلى عشرات وعشرات الفعاليات والأنشطة والزيارات التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ويقوم بتحرير أخبارها أولاً بأول.
- كما لا بد من الإشارة إلى أن 80 في المائة من الأخبار المنشورة عن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في مختلف الصحف والمواقع منذ منتصف العام 2007 وحتى يومنا هذا هي من تحريره.
المؤلفات
- أديبٌ سوري يكتبُ في الصحافةِ العربيةِ منذ عشرين عاماً
- صدر له حتى الآن:
- المبغى / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- اختلافٌ عميقٌ في وجهات النظر / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- أيامٌ في البدروسية / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- فوق أرض الذاكرة / مجموعة قصصية. دار آس سوريا
- أوراق نساء / 2012 ـ ديوان . دار بصمات ـ سوريا
- نشرت العديد من قصصهِ في مجلات وصحف ومواقع إلكترونية سورية وعربية منها
- (مجلة الآداب اللبنانية) (مجلة قاب قوسين) الأردنية (مجلة ثقافات الأردنية) (مجلة انتلجنسيا التونسية) (جريدة الوحدة السورية)